هالله هالله عل الجد والجد هالله هالله عليه (٢)

بقلم المهندس رسول العراقي
الجميع يدرك أن العراق بلد متعدد الأعراق والأديان والمذاهب، وهذه التعددية – رغم غناها الثقافي – كانت وما زالت مصدرًا للتحديات إن لم تُدار بحكمة ودستور واضح ومُلزِم. ومن بين هذه المكونات، يُشكّل إقليم كردستان حالة خاصة، إذ يعيش الكرد في ظل نظام إداري وسياسي مختلف عن بقية المحافظات، مع طموح معلن من معظم قواهم السياسية نحو الاستقلال والانفصال عن الدولة المركزية.
هذه الرغبة، وإن كانت قديمة، إلا أن التعامل معها يجب أن يكون في إطار الدستور العراقي، الذي هو المرجع الوحيد لحل الخلافات وتحديد الصلاحيات. لكننا جميعًا نعلم أن هذا الدستور كُتب في ظروف استثنائية، وفي بعض مواده توجد صيغ مرنة تحتمل أكثر من تفسير، مما يفتح الباب أمام التأويلات المتباينة بل والمتضاربة أحيانًا بين المركز والإقليم.
وفي خضم هذه التعقيدات، جاءت الأخبار مؤخرًا عن قيام العراق بشراء منظومة تسليح متطورة، لكن ما أثار القلق هو نجاح جهات معينة في نقل هذه المنظومة إلى حكومة الإقليم بدلًا من المؤسسة العسكرية المركزية. وهنا لا نتحدث عن خلاف إداري عابر، بل عن خرق يمس جوهر السيادة، ويهدد مبدأ توازن القوة بين المركز والأقاليم.
الخطر الحقيقي لا يكمن في نقل سلاح هنا أو هناك، بل في تكريس واقع عسكري يسمح بوجود قوة إقليمية قد تتفوق على الجيش الاتحادي، وخصوصًا في ظل وجود نوايا معلنة للانفصال. فكيف يمكن الحديث عن دولة موحدة بينما أحد مكوناتها يملك تسليحًا أكثر تقدمًا أو تحكمًا منفصلًا بالسلاح؟ ومتى كان الاستقرار يُبنى على اختلال موازين القوة داخل حدود الدولة الواحدة؟
على حكومة الإقليم أن تفهم أن الاستقلال لا يُصنع بفرض الأمر الواقع، بل بالحوار، والشرعية، والتوافق. وعلى حكومة المركز أن تتحرك بمسؤولية عالية، وتفرض سيادتها ليس بالقوة، بل بالقانون والدستور والعدالة في التعامل مع كل الأطراف. أما الاكتفاء بالصمت أو المجاملة السياسية، فهو ما سيقودنا إلى انفجارات مستقبلية قد لا تُحتوى.
نحن الآن بحاجة إلى موقف وطني حقيقي، يضع مصلحة العراق فوق الطموحات الخاصة، ويفرض احترام الدولة ومؤسساتها. فكما قلنا سابقًا، وكما علّمنا تراثنا الشعبي:
هالله هالله عل الجد… والجد هالله هالله عليه
فهل آن أوان الجد فعلاً؟ أم أننا سنواصل دفن رؤوسنا في الرمال حتى تُباغتنا العاصفة؟