مقالات

دروس من القضية الحسينية (5)

بقلم المهندس رسول العذاري

في لحظة من أكثر لحظات التاريخ الإسلامي ظلامًا وتعقيدًا، قُتل الحسين بن علي في كربلاء، وهو سبط النبي، وواحد من أعلام بيته، دون أن يُحرك ذلك ضمير السلطة أو يُزعزع الروايات التي حاولت تبرير تلك الجريمة الكبرى. المدرسة الأموية، ومن تبعها لاحقًا من بعض فقهاء السلطة، سعت إلى صناعة مبررات شرعية لما لا يمكن تبريره أخلاقيًا أو إنسانيًا، فاستندت إلى أحاديث نبوية منزوعة من سياقها، مثل أحاديث النهي عن الخروج على الحاكم، لتقول إن الحسين خرج على خليفة شرعي تجب طاعته، وإنه بذلك فرّق الجماعة وشق عصا الطاعة، مستحقةً بذلك ما جرى له. ولتبرئة يزيد، قيل إن قتله لم يكن بأمر مباشر منه، بل اجتهاد خاطئ من ابن زياد أو غيره، وكأن الدولة مسؤولة عن كل شيء إلا جرائمها. ولتشويه ثورة الحسين، صُوِّر الرجل وكأنه اندفع دون تبصر، وخالف وصايا أبيه وأخيه، رغم أن التاريخ نفسه يثبت أنه تحرّك بعد أن ضاقت به السبل، ورفض أن يبايع رجلاً وصل إلى الحكم عبر التوريث لا الشورى، وفُرض على الناس بالقوة. وإن كان الحسين قد خرج مطالبًا بالإصلاح في أمة جدّه، فهل كان ذلك خروجًا على الدين أم رجوعًا إليه؟ وإن كان يزيد يُقرّ الفسق علنًا، ويقود الدولة كملك عضوض، فهل تُعد طاعته دينًا، ومعارضته فجورًا؟

إن الأحاديث التي استُخدمت لتجريم موقف الحسين نزلت في سياق مواجهة الخوارج الذين كفّروا المسلمين، أما الحسين، فلم يُكفّر أحدًا، ولم يستحل دمًا، بل قال كلمته بوضوح: “إني لم أخرج أشرًا ولا بطرًا، ولكن لطلب الإصلاح في أمة جدي”. كيف يُقتل رجل خرج يطلب الإصلاح ويُسلب جسده، وتُسبى نساؤه، ويُقال بعد ذلك إن في قتله مصلحة للأمة؟ أي مصلحة تلك التي تنتهي بذبح السبط ودفن الضمير؟ الباحث المستقل، الذي لا يحمل ولاءً أعمى لهذه الجهة أو تلك، يرى أن ما حدث في كربلاء كان انحرافًا لا يمكن الدفاع عنه إلا بمنطق القوة، وأن الرواية الأموية التي سادت قرونًا لم تكن سوى محاولة لتخدير الضمير الإسلامي العام، وتحويل الجريمة إلى اجتهاد، والثورة إلى فتنة، والمظلوم إلى باغٍ. لكن الحقيقة تبقى، مهما زُيِّنت الكلمات: الحسين لم يكن متمردًا، بل كان الصرخة الأخيرة في وجه الاستبداد باسم الدين، وقد دُفنت معه براءة ذلك الزمن… لتبقى عاشوراء شاهدًا على أن العدالة ليست ما ترويه السلطة، بل ما يشهد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى