دلالات تصويت الهيئة التشريعية الوطنية الصينية لتحديد يوم ٢٥ أكتوبر لإحياء ذكرى إسترداد تايوان

تحليل الدكتورة/ نادية حلمى
الخبيرة المصرية فى الشئون السياسية الصينية وسياسات الحزب الشيوعى الحاكم فى الصين والشئون الآسيوية – أستاذ العلوم السياسية جامعة بنى سويف
صوّتت الهيئة التشريعية الوطنية الصينية يوم الجمعة الموافق ٢٤ أكتوبر ٢٠٢٥، لتحديد يوم ٢٥ أكتوبر كيوم إحياء ذكرى إسترداد تايوان (Commemoration Day of Taiwan’s Restoration) ولتحديد ذلك اليوم للإحتفال بذكرى إستعادة تايوان العديد من الدلالات الهامة لتحديد يوم الإحياء هذا من أجل تعزيز الحقائق التاريخية والقانونية بأن تايوان كانت جزءاً لا يتجزأ من الأراضي الصينية المقدسة منذ العصور القديمة، وتوطيد إلتزام المجتمع الدولي بمبدأ “صين واحدة”، حيث سيساعد تحديد يوم الإحياء هذا فى الحفاظ على منجزات إنتصار الصين خلال الحرب العالمية الثانية. حيث أنه لطالما كانت تايوان جزءاً لا يتجزأ من أراضى الصين المقدسة منذ القدم. وبسبب الحرب الأهلية الصينية (١٩٤٥-١٩٤٩) وتدخل القوى الخارجية، دخل ضفتا مضيق تايوان فى حالة من المواجهة السياسية طويلة الأمد منذ عام ١٩٤٩.
ورغم أن تايوان لم تتحد مع البر الرئيسى الصينى، إلا أن سيادة الصين وأراضيها لم تقسم قط، ولم يتغير أبداً أن ضفتى مضيق تايوان تنتميان إلى “صين واحدة”. خاصةً مع تغيير الإعتراف الدولى فى عام ١٩٧١، بتصويت الأمم المتحدة على الإعتراف بجمهورية الصين الشعبية وعاصمتها بكين بدلاً من جمهورية الصين الوطنية (تايوان) كممثلة واحدة عن الصين. وتكمن وجهة نظر بكين الرسمية فى إعتبار تايوان جزءاً لا يتجزأ من أراضيها، وتتمسك بمبدأ “صين واحدة” وتعارض أى إعتراف بتايوان كدولة مستقلة، حيث تنص دساتيرها على أن إعادة توحيد الوطن هى واجب وطنى.
وهنا جاء التأكيد الصينى الرسمى يوم الجمعة الموافق ٢٤ أكتوبر ٢٠٢٥، بأنها ستعلن عن عطلة جديدة تسمى “يوم ذكرى إستعادة تايوان” كجزء من مطالباتها بالسيطرة على الجزيرة التايوانية التى تتمتع بحكم ذاتى والتى تتبع البر الرئيسى للصين مباشرةً. وتم تحديد يوم ٢٥ أكتوبر تحديداً للإحتفال بذكرى إستعادة تايوان، لأن هذا هو اليوم الذى إستسلمت فيه القوات اليابانية لقوات جمهورية الصين فى تايوان، ونقلت الحكومة الإستعمارية الفاشية العسكرية اليابانية سلطتها فى حكم تايوان إلى الحكومة الإقليمية الجديدة التى شكلتها جمهورية الصين الشعبية. ومن أجل ذلك، جاء تأكيد “اللجنة الدائمة للهيئة التشريعية المتمثلة فى المجلس الوطنى لنواب الشعب الصينى”، بأن: “العطلة الجديدة ستوافق يوم ٢٥ أكتوبر، وهو اليوم الذي تم فيه تسليم تايوان، المستعمرة اليابانية آنذاك، في عام ١٩٤٥ إلى مسؤول من جمهورية الصين آنذاك”.
ويأتى الهدف من وراء تحديد يوم ٢٥ أكتوبر للإحتفال بذكرى إستعادة تايوان إلى وطنها الأم فى البر الرئيسى للصين، بهدف توحيد أبناء الشعب الصينى والأمة الصينية جميعاً فى وطن واحد يضم الجميع تحت مبدأ “صينى واحدة”، بما فى ذلك أبناء الوطن على جانبى مضيق تايوان، للتذكر بشكل مشترك وإحياء الذاكرة الجماعية لأبناء الشعب الصينى والعالم بأسره، وللتذكير بتاريخ حرب المقاومة الشعبية الصينية ضد العدوان اليابانى ومواجهة أبناء الشعب الصينى للفاشية العسكرية لليابان، وتكريم الشهداء الصينيين الذين قاتلوا ضد الغزاة اليابانيين، والحفاظ على نتائج الإنتصار الصينى فى الحرب العالمية الثانية، والمتمثلة فى إعادة تايوان إلى أحضان الوطن الأم فى بكين. حيث أن إستعادة تايوان كانت إنجازاً عظيماً تحقق من خلال الكفاح الدؤوب والتضحيات الهائلة للأمة الصينية بكاملها بمشاركة كافة طوائف وأبناء الشعب الصينى بدون أى تفرقة، بما فى ذلك أبناء تايوان، وهى ذكرى من وجهة النظر الصينية الرسمية، تستحق أن يحتفى بها بشكل مشترك من قبل أبناء الوطن على جانبى المضيق فى تايوان كجزء لا يتجزأ من البر الرئيسى للصين، وفقاً لمبدأ “صين واحدة”.
وبذلك نفهم دلالة تحديد يوم إستعادة تايوان وإقامة أنشطة تذكارية على المستوى الوطنى الصينى، لما لذلك من دلالة ورمزية هامة تساعد فى تسليط الضوء على الحقيقة التاريخية التى لا جدال فيها بأن “تايوان جزء لا يتجزأ من الصين”. على أن يتم الإحتفال فى تايوان بيوم ٢٥ أكتوبر من كل عام، كعيد وطنى رسمى، ويسمى (يوم إعادة تايوان)، ويقصد بذلك إعادة أراضى تايوان إلى دولة وحكومة جمهورية الصين الشعبية. ومن أجل ذلك، ستتم دعوة أبناء تايوان للمشاركة فى تجمع حاشد بمناسبة الذكرى الـ ٨٠ لإعادة تايوان إلى الصين، والذى سيقام يون ٢٥أكتوبر فى البر الرئيسى للصين. ومن أجل ذلك سيشارك ممثلين من قطاعات مختلفة تايوانية لحضور هذا التجمع الحاشد فى بكين، بينما سيتم تنظيم زيارات وأنشطة تبادل قبل الحدث وبعده.
كما أن دلالة تحديد يوم ٢٥ أكتوبر للإحتفال بذكرى إستعادة تايوان، يأتى فى إطار جهود الدولة الصينية فى حل قضية تايوان ومنع التدخل الخارجى والأمريكى بالأخص فى شئونها الداخلية، وتحقيق حلم إعادة التوحيد الكامل للصين كطموح وهدف مشترك لجميع أبناء الأمة الصينية، وهو أمر لا غنى عنه لتحقيق النهضة العظيمة والشاملة للأمة الصينية. وهو أيضاً مهمة تاريخية للحزب الشيوعى الصينى. مع سعى الحزب الشيوعى الصينى والحكومة الصينية والشعب الصينى جاهدين لعقود لتحقيق هذا الهدف. ومن أجل تحقيق هذا الهدف المتمثل فى الإحتفال بذكرى إستعادة تايوان، فقد أكد (المؤتمر الوطنى الثامن عشر للحزب الشيوعى الصينى)، الذى عقد عام ٢٠١٢، بالإحتفال بـ (عهد جديد فى بناء الإشتراكية ذات الخصائص الصينية). ونجد بأنه تحت القيادة القوية للجنة المركزية للحزب الشيوعى الصينى، وفى القلب منها الرفيق “شى جين بينغ” بصفته الأمين العام للحزب الشيوعى الحاكم، فقد إعتمد الحزب الشيوعى الصينى والحكومة الصينية تدابير جديدة ومبتكرة فيما يتعلق بتايوان. وواصلا رسم مسار العلاقات عبر المضيق التايوانى، وضمان صون السلام والإستقرار عبر مضيق تايوان، وتعزيز التقدم نحو إعادة التوحيد الوطنى. ومع ذلك، فى السنوات الأخيرة، ضاعفت السلطات التايوانية، بقيادة (الحزب الديمقراطى التقدمى)، جهودها لتقسيم البلاد، وحاولت بعض القوى الخارجية إستغلال تايوان لإحتواء وعرقلة صعود الصين، ومنع الأمة الصينية من تحقيق إعادة التوحيد الكامل، ووقف عملية التجديد الوطنى.
لذا، عمل الحزب الشيوعى الصينى جاهداً خاصةً فى السنوات الأخيرة، على توحيد أبناء الشعب الصيني وقاده نحو تحقيق الهدف المئوى الأول المتمثل فى (بناء مجتمع مزدهر بإعتدال فى جميع النواحى، والشروع فى رحلة جديدة نحو الهدف المئوى الثانى المتمثل فى بناء الصين لتصبح دولة إشتراكية حديثة).
ومن أجل ذلك، جاءت دعوة الرئيس الصينى “شى جين بينغ” يوم الأحد الموافق ١٩ أكتوبر ٢٠٢٥ فى خطاب رسمى له، إلى بذل جهود من أجل “توحيد الصف مجدداً” فى رسالة تهنئة للزعيمة الجديدة لحزب المعارضة الرئيسى فى تايوان والبرلمانية السابقة “تشنغ لى وون”، والتى إنتخبت من كافة فئات الشعب التايوانى والمؤيدة لمبدأ “صين واحدة” فى مواجهة (الحزب الديمقراطى التقدمى فى تايوان) الموالى للولايات المتحدة الأمريكية والغرب والداعى لجهود تقسيم الصين وإستقلال تايوان فى مواجهة البر الرئيسى للصين. وهنا يأتى فوز البرلمانية السابقة “تشنغ لى وون” فى مصلحة توحيد الصف الصينى وتوحيد أبناء تايوان مع كافة أبناء الشعب الصينى فى الحفاظ على وحدة وإستقلال وسلامة أراضى الصين وفق مبدأ (صينى واحدة)، حيث ستتولى البرلمانية التايوانية السابقة “تشنغ لى وون” منصب “زعيم حزب الكومينتانغ” فى الأول من نوفمبر ٢٠٢٥، بعد فوزها فى الإنتخابات التى جرت يوم السبت ١٨ أكتوبر ٢٠٢٥، فى وقت يتصاعد فيه التوتر مع بكين التى تطالب بالسيادة على تايوان، وهو ما يرفضه (الحزب الديمقراطى التقدمى فى تايوان) بشدة، وهو الحزب المعروف بمواقفه الموالية لأجندة واشنطن والغرب.
وبناءً عليه، جاء قرار الهيئة التشريعية الوطنية فى الصين بتحديد يوم ٢٥ أكتوبر تحديداً للإحتفال بذكرى إستعادة تايوان، تماشياً مع فوز البرلمانية السابقة والمسئولة فى حزب الكومينتانغ التايوانى “تشنغ لى وون” فى الإنتخابات التايوانية، لما لذلك من فرصة سانحة تصب فى مصلحة توحيد الصف الصينى، مع دعم حزب الكومينتانغ التايوانى منذ فترة طويلة لتعزيز العلاقات مع الصين، وهو الشريك المفضل للحوار مع بكين. مع الرفض الصينى القاطع للتحدث مع رئيس تايوان “لاى تشينغ-ته” وإدارته من (الحزب الديمقراطى التقدمى)، حيث تصفه بكين، بأنه “إنفصالى” لموالاته لأجندة واشنطن والغرب الداعية لتقسيم الصين وإستقلال تايوان بعيداً عن حصن البر الرئيسى للوطن الأم فى بكين.
لذا، جاءت دعوة الرئيس الصينى “شى جين بينغ”، بصفته رئيساً وأميناً عاماً للحزب الشيوعى الصينى للبرلمانية التايوانية السابقة والمسئولة فى حزب الكومينتانغ التايوانى الموالى للصين “تشنغ لى وون”، عبر رسالة قال فيها: “إن على الحزبين الشيوعى الحاكم فى بكين وحزب الكومينتانغ التايوانى تعزيز الأساس السياسى المشترك”. مع تأكيد الرئيس الصينى” شى جين بينغ” فى رسالته لـ “تشنغ لى وون” بإعتبارها زعيمة حزب الكومينتانغ التايوانى الموالى لبكين، بأنه: “ينبغى للحزبين أيضاً توحيد الغالبية العظمى من الشعب فى تايوان لزيادة تبادل العلاقات الودية والتعاون، وتعزيز التنمية المشتركة، وتسريع توحيد الصف مجدداً على الصعيد الوطنى”.
مع الوضع فى الإعتبار، بأنه على الرغم من خسارة حزب كومينتانغ للإنتخابات الرئاسية التايوانية فى العام الماضى ٢٠٢٤، إلا أنه وحليفه الأقرب (حزب الشعب التايوانى الصغير) يشغلان معاً معظم المقاعد فى البرلمان التايوانى. وبناءً عليه نفهم بأن، تحديد يوم ٢٥ أكتوبر للإحتفال بذكرى إستعادة تايوان، بإعتبارها جزء من الصين، مع إعتبار السلطات فى بكين بأن تايوان مقاطعة برية لها، لذا يأتى الرفض الصينى القاطع لإقامة أى علاقات دبلوماسية مع الدول التى تعترف بتايوان بعيداً عن سيادة الصين ومبدأ الصين الواحدة.



