دور الإعلام في تشكيل الفكر الثقافي والمعرفي للأطفال

بقلم د : غادة محفوظ

” أعطني إعلاما بلا ضمير .. أعطيك شعبا بلا وعي ” جملة شهيرة لـ “جوزيف جوبلز ” وزير اعلام هتلر ، هذه الجملة – في اعتقادي – ليس لها تاريخ انتهاء صلاحية ، فهي ليست متعلقة بالتطور التقني لوسائل الاتصال ، وهو ما يجعلها أحد نظريات الاعلام الثابتة

لِوسائلِ الإعلام تأثيرُ إيجابيٌّ على الطفل في عدّة نواحٍ، منها: مخاطبة حواسّ الطفل، خاصّةً حاستيْ السمع والبصر، ممّا يساعدُ على جذبِ انتباهه، ونقل المعرفة إليه.

تنمية وتطوير خيال الطفل، وتحفيزه على التفاعل مع المعرفة التي يتلقّاها سواءً من التلفاز أو الحاسوب، ممّا يساعدُ على تغذية قدراتِه. الجمْع بين الدور الثقافيّ والتربويّ والترفيهيّ في وقتٍ واحدٍ، وبالتالي ضمانُ حصول الطفل على المعرفة، والتربية الصحيحة، والتعرّف على السلوكيّات الصالحة ودفعه للقيام بها، بالإضافة إلى الترفيه عن نفسه وتسليته بشيءٍ مفيد .

إشباع حاجات الطفل الإنسانيّة في تلك المرحلة، وبالذات المتعلّقة بنموّه العقليّ، كالبحث، والاستطلاع، والاكتشاف. كما يمكن ومن خلال انماط متنوعة من الاشكال الاعلامية ( المسرح – القصة –الأفلام الوثائقية والتسجيلية – مسلسلات ) إعادة التشكيل الذهني للطفل ، بشرط أن يتم تقديم هذه المواد بما يتماشى مع مستحدثات العصر ، ويبث فيها روح الانتماء للثقافة المصرية .

إذا ما تم تفعيل هذه الخطوة ستكون أحد أسرع الوسائل وأكثرها فعالية وتأثيرا في طفل العصر الحديث الذي يختلف تماما عن طفل الأمس الذي لم يكن يملك غير الوسائل الكلاسيكية للمعرفة كالكتب والقصص .

تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على الأطفال

لوسائل التواصل العديد من المزايا التي تفيد الطفل وتلعب دورا حيويا في تنمية مهاراته … نذكر منها : الطفل في نهاية مرحلة الطفولة وبداية مرحلة المراهقة يكون لديه أداة ووسيلة فعالة في التعبير عن نفسه ، بكل سهولة وبساطة .

أحد أهم إيجابيات وسائل التواصل أن الطفل يكتسب مجموعة من الثقافات والمعارف والمهارات، فبلمسة من أصبعه الصغير قد يقرأ كتابا معدا بشكل شيق وبسيط يتناسب مع قدراته الذهنية .

من مزايا وسائل التواصل للأم التي لم تنل قدرا كبيرا من التعليم ، أنها تتابع ما قد يفيد طفلها ، بل وتعرض مشكلة طفلها الصحية أو النفسية على كبار المتخصصين ليأتيها الرد وهي في مكانها دون أن تتحرك حركة واحدة .

الأطفال أصحاب الهمم وذوي القدرات الخاصة ، تمثل لهم وسائل التواصل متنفسا لطيفا ينخرطون فيه مع باقي أقرانهم ويطلون من خلاله على العالم الخارجي .

هناك الكثير من الألعاب على السوشيال ميديا تساعد على تنمية المهارات ، وهو ما يعزز ثقة الطفل في نفسه وبينمي فيه من صغره مهارة اتخاذ القرار لو قامت الاسرة بتحديد عدد معين من الساعات لاستخدام الطفل للتاب أو الهاتف ستترسخ في ذهن الطفل صورة إيجابية عن الالتزام والانضباط ، ونكون قد زرعنا في أطفالنا هذه القيمة من خلال هذه الوسيلة التي يحبها الأطفال

في اعتقادي أن أول السلبيات هي الهوس أو الادمان .. بمعنى وصول الطفل لمرحلة من النرجسية وبالتبعية بيكون الانترنت هو حياته كلها كما يوجد العديد من السلبيات اظهرت أحد الدراسات ان واحد من كل عشرين طفل يتعرض لمشكلات نفسية كالقلق والتوتر والاكتئاب نتيجة استخدام السوشيال ميديا بشكل مستمر خلال اليوم، وأوضحت تلك الدراسات أن الطفل يحتاج ان يتعرض الى وسائل التواصل الاجتماعي بقدر أقل من الكبار، لأنه سهل التأثر بكل ما قد يمر عليه من أحداث

مثلا…. متابعة البنات «للبلوجرز » على وسائل التواصل الاجتماعي، ممكن ترسم صورة معينة للجسم المثالي، وهو غالبا ما لا يتحقق لكتير من المراهقات ، وهو ما يؤدي في النهاية إلى الدخول في موجات متتابعة من الاكتئاب
وفي دراسة بريطانية أكدت أن الفتاة التي تقضي ثلاث ساعات يوميا في تصفح وسائل التواصل قد تتحول لفتاة مكتئبة .

كما يتعرض كثير من الأطفال للتنمر على وسائل التواصل ، باعتبارها ساحة مفتوحة للتعليقات والانتقادات ، ونفسيا الطفل غير مهيأ لاستقبال هذا الكم الهائل من التعليقات والانتقادات ، وهو ما قد يعرضه لفقدان ثقته بنفسه ، لان الطفل أصلا يحتاج لخبرات واقعية وتجارب عديدة قبل أن نعرضه لانتقادات أشخاص خارج نطاق العائلة والمدرسة .

يقول طبيب الأعصاب والباحث الامريكي ماثيو ووكر، أن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي قبل النوم مباشرة يؤثر بشكل كبير على مقدرتك على الخلود للنوم، حيث ان الضوء الازرق الموجود في شاشات الهاتف او التابليت، قد يؤثر على إفرازات المخ التي تساعد أجسامنا على الخلود للنوم، وقد حذر ماثيو ووكر من اختلالات النوم عند الطفل، حيث أنه قد توصل عبر دراساته على مدار عشرين عام، إلى أن النوم هو الحدث الأكثر تأثيرًا في قدرات الطفل الإبداعية وتطور قدراته الحركية.

وقد كتب الطبيب ماثيو ووكر في كتابه لماذا ننام، أن تعرض العين للضوء الازرق الموجود في شاشات الاجهزة الذكية يؤثر على جودة ساعات النوم التي من المفترض ان نحصل عليها، كما قد وضح أنه عند حدوث خلل في ساعات النوم أو المواعيد الثابتة التي من المفترض أن يحصل عليها الطفل، يؤثر ذلك على نمو مهاراته الحركية ومهاراته الإبداعية، والتي تتطور خلال ساعات نومه كل يوم.

وسائل التواصل الإجتماعي تؤثر على علاقات الاطفال بالأخرين، يظل الطفل من صغره في حالة عزلة اجتماعية ، حيث أن الطفل في السن الذي يتراوح بين سنتين و15 سنة، يحتاج الى تنمية مهاراته الإجتماعية في التواصل مع الغير عن طريق التواصل بالكلام المباشر وحركات الجسد ونظرات العين، والتي تساعده فيما بعد على التواصل بشكل ناجح مع الأخرين، ولكن وسائل التواصل الإجتماعي تحرم الاطفال من تجربة الحصول على تواصل حقيقي مادي، فيقلل من قدرة الطفل على التعبير بالكلام أو فهم مشاعر الأخرين والتأمل فيها، فيخلق ذلك مشكلة يصعب تجاوزها عند الكبر .

أؤكد ان انتشار الكثير من المواد السمعية والبصرية الغير مراقبة، مثل الصور التي تمثل أعمال العنف في الحروب أو فيديوهات الضرب والألفاظ الخارجة التي تنتشر بكثرة في جميع أنواع المواقع، وهو ما يعرض الطفل لصدمات عنيفة غير مناسبة لسنه الصغيرة، فقد اشار الكثير من الأطباء النفسيين أن الصدمات النفسية للطفل قد تطارده مدى حياته، حتى لو تناساها كأحداث فعلية، ولكنها تظل مؤثرة في عقله بشكل لا واعي طوال حياته.

ونجد في تلك الايام أن صور القتل والحوادث والحروب والصراعات تنتشر في كل مكان دون مراقبة، وقد تؤذي الطفل بشدة، حتى اذا كان عمره لم يتجاوز السنتين، فالطفل يتأثر بكل المدخلات اللي بتصل إليه حتى وإن كان غير قادر على فهمها

أحد أبرز المخاطر التي تتعرض لها الفتيات على “السوشيال ميديا”، الابتزازحيث كشف تقرير حديث من موقع “مترو” البريطاني بعض المخاطر التي يمكن أن يتعرض لها المراهقون والأطفال بسبب تطبيق “واتساب”، وحالات الابتزاز نسمع عنها يوميا وكلها تقريبا متشابهة ومكررة ، فمثلا .. شاب يبتز بنت أرسلت له صورها ويهددها بنشر تلك الصور إذا لم تحقق له رغباته وطلباته .

كيف نحمي أبناءنا من مخاطر وسائل التواصل ؟
لابد لأولياء الأمور أن يشرحوا لأطفالهم الامور التي قد يصعب عليهم فهمها، كما لا بد من متابعة حسابات الطفل على وسائل التواصل، حماية له من المتنمرين، ومن الضرورة أن يعي الطفل جيدا من هو الشخص المتنمر، لكي لا يصاب بالاحباط والحزن حال تعرضه لانتقادات قد تكون في غير محلها.

تحديد ساعات واضحة لاستخدام الطفل للتاب أو الموبايل ، فيجب ان يكون هناك جدول واضح للاستخدام اليومي، لا يزيد عن عدد محدد من الساعات، وفي اوقات محددة من اليوم، ويفضل الا تكون قبل التوجه للنوم مباشرة.

لابد من الحديث الدائم والمستمر مع الطفل حتى نكون على دراية بحالته النفسية وقدرته على التواصل ، كما يجب تحديد الوقت المناسب للتدخل في حال حدوث أي تغيير ملحوظ على حالة الطفل .

يجب على الآباء والأمهات مشاركة أبناءهم المواد المفضلة لهم على وسائل التواصل مثل الفيديوهات التي يشاهدونها ، وهو ما يترك انطباعا ذهنيا داخل الطفل بأن والده هو أقرب أصحابه إليه وليس ولي أمره ، ، وهو ما يترك أثرا إيجابيا في طمأنة الطفل وتعزيز ثقته بنفسه .

يجب أن يستوعب الطفل فكرة أنه مهما تصفح وشاهد وتعرف على ثقافات ومعارف أجنبية ، لابد من الرجوع إلى قيمنا وتقاليدنا التي نشأنا عليها ، كما يجب زرع فكرة هامة داخل الطفل أنه لا يجب أن نتأثر بهذه الثقافات والمعارف ولا نأخذ منها إلا ما يناسب مجتمعنا .

كلمة أخيرة للأباء والأمهات ..
لابد أن يكون هناك لغة للحوار الأسري يغلب عليه الطابع التربوي الرقيق بعيدا عن صراخ الأمهات وعنف الأباء ، فيجب على المجتمع بأسره أن يخرج من هذه الدائرة المغلقة التي يجري فيها الآباء خلف أبنائهم بالعصا ، وأن يتحرروا من الأفكار العقابية العدائية وليضعوا نصب أعينهم مقولة الإمام علي كرم الله وجهه ” لا تحملوا أولادكم على طباعكم ، فإنهم قد خلقوا في زمان غير زمانكم ” .