“د. شيرين العدوي” تكتب : دبلوماسية المرأة فى المتحف المصرى

فى ليالى القاهرة الموشاة بأسرار ألف جيل، تشرق الشمس الثالثة للحضارة لم يكن افتتاح المتحف المصرى الكبير مجرد حفل افتتاح، بل كان مسرحا تتشابك فيه خيوط السيادة مع شفرة الأناقة. لقد تحولت أزياء الملكات وزوجات الرؤساء إلى رسائل دبلوماسية رفيعة.
فى مقدمة الجميع كانت المضيفة المصرية سيدة مصر الأولى السيدة انتصار السيسى شاهدة على عراقة مصر وقوتها، حيث ارتدت فستانا من قماش مصرى صاغته يد وطنية، ونسجت على خيوطه تراتيل هيروغليفية، فشكل بيانا صريحا بهيبة التراث المصرى وتدفقه المستمر فى شرايين الإبداع المعاصر، مؤكدة السيادة الثقافية، فالأسود الرصين مع رمزيته الرسمية أشار إلى طمى النيل الخصيب، اما الذهب الموشى به الفستان فهو لون الخلود للمصريين القدماء، كما أنه كان بمثابة إجلال مباشر لكنوز توت عنخ آمون الذى يحتفل به.
أما الجانب اليابانى الشريك الاستراتيجى فى بناء المتحف، فقد مثلته من نساء الطبقة الحاكمة صاحبة السمو الأميرة أكيكو من العائلة الإمبراطورية اليابانية، وقد حملت إطلالتها فستانا وجاكيت باللون الأزرق العميق، حاملا عمقا دبلوماسيا عميقا فى الرصانة والنقاء والاستقرار ورمزا لليابان، وهو يرتبط لديهم بطبقة النبلاء والفضيلة، وقد حاكى الثقافة المصرية العريقة فى رسالة تبجيل لحضارة مصر.
وجاءت الأميرة سيريوانافارى من تايلاند معبرة عن شخصيتها الملكية والإبداعية حيث تعد من أبرز مصممى الأزياء مروجة للصناعات المحلية للأقمشة فى تايلاند وحرفيتها.
وظهرت الملكة رانيا العبدالله، مطلقة بيانا ساتوريا بالأحمر الصريح، فى إشارة هاشمية عنابيّة، ترمز للسيادة والحياة وامتدادا للثورة العربية الكبرى، فى حوار فنى جرىء فى هيئة الكالاسيريس الفرعونى، لتخلق تناغما رمزيا فريدا قوة الحاضر فى هيئة إجلال لروح النيل باحترام بالغ لثقافة المضيف. أما ملكات أوروبا فجئن مازجات بين مرونة البروتوكولات وصرامته، وعلى رأس القائمة كانت الملكة ليتيزيا ملكة إسبانيا، والملكة ماتيلدا ممثلة لبلجيكا، والملكة مارى ممثلة للدنمارك متميزات باللون الأبيض الممنوع ارتداؤه إلا عند مقابلة بابا الفاتيكان وفقا لبروتوكولات الفاتيكان الصارمة، هذا الامتياز يمنح لسبع ملكات كاثوليكيات فقط فى العالم، فجاء ارتداؤه مظهرا قوة التبجيل الدبلوماسى للثقافة المصرية. وكان ارتداء الملكة ليتيزيا للكتان المصرى إجلالا للحرفة المصرية وحسابا جيوسياسيا بليغا، وجاء تدرج اللون الأبيض عنوانا للسلام والصفاء.
وقد شهد الحفل حضورا من العائلات المالكة فى البحرين وعمان، وتضمنت ملابسهم عناصر راقية تقليدية مصقولة بعناية فاخرة تعكس حضارة بلادهم، وتحاكى الحضارة المصرية بألوان غنية كألوان الزمرد والياقوت فاعتمدت وقار الإيجاز.
فى محفل هيبة الحضارة نقشت الأزياء كقصائد تحمل الرموز الدبلوماسية الراقية واتسمت كل الإطلالات بالأناقة والاحتشام فى إكسسوارات ناعمة رقيقة، حاملة الدلالات الثقافية الوطنية ومؤكدة أن الثراء الحقيقى هو التواضع، موضحة مدى احترام الضيوف لثقافة البلد المضيف، ومؤكدة مكانتهم السيادية. لم تكن رمزية أن مصر لا تحمل إلا السلام والتناغم مع العالم مجرد رسالة؛ بل تحقيق على أرض الواقع فى تناغم مع كل حضارات العالم فى حالة فرح جماعى. إن الحجر الأخير الذى وضعه الرئيس فى بداية الحفل أكد أن مصر منارة النور والمعرفة فى العالم، وتوافق مع رسائل الوفود المشاركة ورمزيتها الصامتة المتحدثة.
المصدر : مؤسسة الأهرام المصرية



