مقالات

سموم على الشاشات

سمير السعد

في زمنٍ تتقاطع فيه السياسة مع الإعلام وتتشابك فيه المصالح مع الميكروفونات، تتحوّل الشاشات العراقية أحياناً إلى مسرحٍ تُدار عليه معارك خفية لا تُرى بالعين المجرّدة. كلماتٌ منمّقة وعباراتٌ لامعة تُغلف خطاباً متوتراً ، فيُخدع الجمهور ببريق التحليل، بينما تنساب رسائل مسمومة إلى الوعي الجمعي، تزرع الشك وتُضعف الثقة بالدولة ومؤسساتها.

تتزايد على الساحة الإعلامية العراقية أصواتٌ تُقدّم نفسها كمحللين سياسيين، لكنّها تمارس تضليلاً متعمداً يفتقر إلى النزاهة والاتزان. هؤلاء يرفعون شعار الدفاع عن الدولة والحكومة، غير أنّ مضمون خطابهم يشي بغير ذلك، فيحوّلون النقاشات من مساحةٍ للحوار البنّاء إلى وقودٍ يغذّي الكراهية والانقسام، بل ويعبث أحياناً بعلاقات العراق الإقليمية ويستدرج الشارع إلى ردود أفعال غاضبة وعدائية.

يتنوع اللاعبون في هذا المشهد ، فبعضهم مدفوع الأجر لتسويق أجندات خارجية، وآخرون لا يرون أبعد من مصلحة كتلهم السياسية، فيما يهاجم بعضهم خصومه طمعاً بمنصبٍ أو مكسبٍ شخصي، وهناك من يوظف الطائفية كسلاح للابتزاز وإثارة الفتن، ومن يتعمد الظهور بملابس وحركات مستفزة في استعراضٍ هابط يستخف بالقانون ويثير غضب المتابعين، وكل ذلك يجري بتواطؤ بعض مقدمي البرامج وقنواتهم التي تفتح المجال لبث هذه السموم.

هذا النمط الإعلامي لا يكتفي بتشويه صورة الحكومة، بل يحوّل المنصات إلى ساحات تصفية حسابات وصراع دعائي خطير يهدد الأمن الوطني ويقوّض السلم المجتمعي. وهو تكرارٌ منظم يجعل الجمهور عرضةً لخطاب الكراهية، ويحوّل الحرية الإعلامية إلى أداةٍ لتدمير الاستقرار.

إنّ مواجهة هذا الانفلات لم تعد ترفاً ، بل واجبٌ وطني. على هيئة الإعلام والاتصالات أن تشدد الرقابة وتفرض معايير صارمة، وعلى لجان مكافحة المحتوى الهابط أن تدرج هذه الممارسات ضمن أولوياتها، مع تحريك الادعاء العام للقانون ضد كل من يحرّض أو يروّج للطائفية والفتنة. كما ينبغي أن يتعزز دور اللجنة الوطنية لمكافحة التطرف العنيف المؤدي إلى الإرهاب بدعم مباشر من الدولة والحكومة، عبر تشكيل لجان متابعة قانونية وفرق رصد متخصصة لإحالة المخالفين إلى القضاء وفق مواد قانونية تحفظ السلم الأهلي والأمن الوطني والقومي. فقد أثبتت هذه اللجنة فاعليتها في التصدي للأفكار المتطرفة والمنحرفة، وما زالت ركيزة أساسية في حماية المجتمع من خطاب الفوضى والكراهية، لتبقى رسالة الإعلام أداة بناء لا معول هدم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى