عراقيون يرفضون التطعيم ويواجهون كورونا بالأدعية والأذكار

اعداد التقرير / احمد هادي
بغداد
عندما تدخل الى بيت ام حيدر التي تجاوزت الخمسين بعامين ستجدُ على باباها الخارجي ابياتاً من الشعر، وحين تتوغل في منزلها الكائن في مدينة الحرية شمال غرب العاصمة بغداد فلن تجدَ حائطاً او باباً يخلو منه، سألتها عنه فقالت لـ(JHR ):” هذا شعر مقدس، يمنع دخول كورونا للبيت”.
“إنّـي أريد أمانا يا ابـن فاطمة .. مستمسكاً بيـدي مـن طـارق الزمــن، من فاطـم وبنيهـا ثـم والدهــا .. والمرتضى حيدرٌ أعني أبا الحسنِ” تحكي لنا أم حيدر قصة هذا البيت الشعري:” في العطلة الصيفية بعث آية الله العظمى السيد محسن الحكيم احد طلاب العلم إلى سوق الشيوخ للتبليغ ولما وصل للمهمة وإذا بمرض الطاعون ضرب البلدة وصار يقضي على كل بيت يدخله ففزع الشيخ إلى الإمام الحسين عليه السلام حيث صعد سطح داره واستغاث بالإمام عليه السلام وفي النوم رأى الإمام عليه السلام وسأله أخائف أنت يا شيخ ؟ قال نعم فقال له : اكتب هذا البيت على باب دارك وقل للشيعة ان يكتبوه
اني أريد امانا يابن فاطمة مستمسكا بيدي من طارق الزمن
فكتبه الشيخ وأمر بكتابته على البيوت فما دخل الطاعون بيتا كتب على بابه هذا البيت، ويقول الشيخ القرشي : وفي الحرب العراقية الإيرانية ماأعطينا هذا البيت جنديا إلا وعاد إلى أهله سالما”،”قرأت هذه القصة على فيس بوك وكتبت البيت الشعري فوراً في كل اركان المنزل”.
لا تؤمن ام حيدر باللقاح وتجد أن هذا الشعر فعال اكثر منه:” لا اعلم مصدر لقاحات كورونا ولا اثق بها واعتقد ان لها تبعات صحية وخيمة، افضل التقرب لله فهو الحامي من الامراض”.
هكذا هو الحال في الكثير من البيوت العراقية سيما في المناطق الشعبية ستجد هذه الابيات ملصقة او مكتوبة على أبوابها، ويتجنب بعض منهم اللقاح ويجد ان الحصانة من المرض ستوفرها الادعية والاذكار .
يواجهون كورونا بالدعاء
لا تختلف رؤية فاطمة حسين-48 عاماً- عن ام حيدر كثيراً فهي الآخرى ابتاعت كتاب للادعية لمواجهة كورونا، تقول لـ(JHR) :” حينما بدأ المرض بالانتشار توجهت سريعاً لشراء كتاب شامل للادعية ففيها كل البركة، انا اؤمن بفعاليتها جداً”.
وتسترسل قائلة:” ليس لدي ثقة بالحكومة ولا ارغب بأن يصيبني مضاعفات جراء التطعيم، المرض من الله والله يريد منا التقرب اليه اللقاح لن يفيد بشيء”.
فاطمة تُقدم لاقاربها ومعارفها حلولاً لمشاكلهم كلها بالدعاء حيث تقول:”هذا الكتاب يحتوي على الكثير من الادعية والاذكار لكل مشكلة دعاء معين، اعطيت لولدي دعاء للنجاح وقد اجتاز السادس الادبي بفضله”.
اما مع إيلاف- 25 عاماً- فقد حدث شيء مقارب للقصة فحينما استعدت لصلاة الجماعة في احد المراقد المقدسة بكمامتها وقفازات واقية اوقفتها احداهن مستغربة :” انتِ بين يدي الله وتتوجسين المرض !، الله الحامي، ادعي لاشيء ميفيد الا الدعاء حتى اللقاح لا يفيد”.
واجه العراق خمس موجات شديدة من الفيروس الوبائي ارتفعت فيها أعداد الإصابات اليومية حتى وصلت متوسطها 4 آلاف حالة يومياً وكانت اللامبالاة العامة تجاه الفيروس السبب وراء هذه الزيادة، إذ ينتهك كثيرون على نحو روتيني القيود التي تفرضها السلطات لمواجهة تفشي الوباء، فضلاً عن عزوفهم عن التلقيح لأسباب كثيرة.
وبالرغم من بدء العراق بحملة التلقيح ضد مرض كورونا بدءً من عام 2021 تقريباً، فانه ما يزال في الترتيب 183 على مستوى العالم في نسبة تلقي مواطنيه جرعة كاملة من اللقاح استنادا لمنظمة الصحة العالمية، حيث ان 1 من كل 5 عراقيين تلقوا جرعتين من اللقاح.
الحكومة مقصرة
اعتبر اخصائي التحليلات المرضية ،احمد حسين، أن نسبة تلقي اللقاحات “متدنية جدا”، وأوضح لـ((JHR أن :”التدني يعود إلى عدة أسباب، منها عدم الثقة باللقاحات في ظل حديث عن وجود لقاحات مغشوشة، فضلا عن تشويه سمعة اللقاحات من قبل بعض الأطراف”.
ويتابع:” هناك الكثير من الاطباء يقومون بتخويف المواطنين من التلقيح بإدعائهم انها قد تؤدي إلى الموت أو العقم، من دون تقديم أدلة علمية”.
ويضيف أن: ” الفيروس خطير وكلف العراق الكثير من الارواح واصبح تلقي اللقاحات أمرا ضروريا” ويُحمل حسين الجهات الحكومية بسبب ضعف إجرائتها تجاه المشككين باللقاحات فضلاً عن بساطة حملاتها التوعوية قياساً بالأزمة مسؤولية تدني نسبة التطعيم في العراق”.
الصحة العراقية توقف استيراد لقاحات كورونا
في آب الماضي أوضحت وزارة الصحة سبب إيقاف استيراد شحنات جديدة من اللقاحات المضادة لفيروس كورونا.
وقال مدير عام الصحة العامة، رياض الحلفي، في تصريح له إنه “في بداية أزمة كورونا وتصنيع اللقاح، كانت الدول تتسابق للحصول على اللقاح، والدول الكبرى والغنية استولت على معظم الكميات في بداية إنتاج اللقاح”.
وأضاف الحلفي: “لذلك في حينها طلبنا كميات بما تكفي لتلقيح 70% من المجتمع للوصول إلى المناعة المجتمعية وبدأنا باستيراد الكميات وكان الإقبال جيدا في بداية الحملات”.
وتابع: “ولكن عندما ضعف الإقبال تم إيقاف استيراد الكميات الأخرى وأصبح التجهيز حسب إمكانية الصرف”.
الصحة العالمية: مليون حالة وفاة بكورونا في 2022
في نهاية آب الماضي أكدت منظمة الصحة العالمية أن العالم قد حقق “علامة فارقة مأساوية”، بمليون حالة وفاة بسبب فيروس كورونا في عام 2022، من أصل 6.45 مليون حالة منذ اكتشاف الفيروس لأول مرة في الصين أواخر عام 2019.
وكانت الغالبية العظمى للحالات في الولايات المتحدة، تليها روسيا، ثم البرازيل، ثم الهند.
من جانبه، قال رئيس وكالة الأمم المتحدة، الدكتور تيدروس أدهانوم: “إن العالم لا يمكنه الادعاء بأنه يتعلم التعايش مع كوفيد، بينما لا تزال الوفيات مستمرة، على الرغم من وجود جميع الأدوات اللازمة لمنعها”.
ودعت منظمة الصحة العالمية الدول إلى اتخاذ إجراءات لفرض قيود للحد من انتقال العدوى، ومواصلة تقديم الاختبارات وتسلسل العينات الإيجابية، وإمكانية الوصول إلى الأدوية المنقذة للحياة وتعزيز حملات التطعيم.
وقال غبريسوس: “نطلب من جميع الحكومات تعزيز جهودها لتطعيم جميع العاملين في مجال الصحة وكبار السن وغيرهم من الأشخاص الأكثر عرضة للخطر”.
وحث غبريسوس الدول في وقت سابق على تطعيم 70 بالمئة من سكانها بحلول نهاية يونيو، لكن 136 دولة فشلت في بلوغ الهدف، منها 66 دولة لا تزال لديها تغطية أقل من 40 بالمئة.
وأوضح غبريسوس إن 10 دول فقط لديها تغطية أقل من 10 بالمئة، ومعظمها يواجه حالات طوارئ إنسانية.
وأضاف: لا يزال هناك الكثير مما يتعين القيام به، لا يزال ثلث سكان العالم غير محصنين، بما في ذلك ثلثا العاملين الصحيين وثلاثة أرباع كبار السن في البلدان منخفضة الدخل.
من جانبه، قال الدكتور ديريك سيم، العضو المنتدب لدى تحالف اللقاحات الدولي لتعزيز الوصول إلى أفقر دول العالم، “وراء كل إحصائية مأساة إنسانية حقيقية للغاية، لا يمكننا أن نشعر بالخدر تجاه الخسائر التي يلحقها الوباء بالأفراد والعائلات والمجتمعات”.
تم نشر هذا التقرير بدعم من JDH / JHR – صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا.