مقالات

قطر بين الحماية الزائفة والجيش العربي الموحد

بقلم: ناصر السلاموني

بحّ الصوت المصري بقيادة الرئيس السيسي المنادي بضرورة بناء جيش عربي موحد يحمي سيادة الدول العربية ويصون استقلالها. وقد جاء هذا النداء بعدما تعرضت دولا كالعراق وسوريا ولبنان واليمن لانتهاكات أواحتلال مباشر من إسرائيل وأمريكا. لكن بدلاً من أن يتوحد العرب لحماية أوطانهم، أغدقت بعض الدول المليارات على واشنطن أملاً في ضمان حمايتها، سواء من شعوبها الغاضبة أو من خصوم إقليميين كإيران. ومع الأموال جاءت صفقات أسلحة خيالية الفواتير، لا هدف لها إلا استنزاف الثروات العربية تحت شعار الدفاع المزعوم.

غير أن الهجوم الإسرائيلي الأخير على الدوحة كشف زيف تلك المعادلات الأمنية التي رُوِّج لها طويلاً. فبعد إنفاق قطر ما يقارب 19 مليار دولار على أنظمة دفاعية متطورة مع تكاليف التدريب والصيانة، تعطلت هذه المنظومات جميعها أمام ضغطة زر، ليظهر أن السلاح المستورد من الغرب ليس ضمانة للحماية، بل أداة ابتزاز لإبقاء الدول في دائرة التبعية.

والأدهى أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي حصل من قطر على تريليونات الدولارات وصفقات طائرات فارهة باعتبارها “هدايا”، لم يتردد في منح الضوء الأخضر لإسرائيل لتنفيذ غارتها على العاصمة القطرية. ورغم إعلان البيت الأبيض لاحقًا “استياءه” من العملية، إلا أن الوقائع أثبتت أن واشنطن كانت على علم مسبق بها، بل إن الطائرات الإسرائيلية تزودت بالوقود من طائرات أميركية متمركزة داخل قطر نفسها.

القواعد الأميركية: حماية أم احتلال مقنّع؟ هنا يبرز السؤال الجوهري: ما جدوى القواعد الأميركية في منطقتنا؟ فالعالم العربي يضم أكثر من 35 قاعدة عسكرية أميركية موزعة بين الخليج والعراق وسوريا والأردن. وحدها قطر تحتضن قاعدتين من أكبر القواعد في الشرق الأوسط:

قاعدة العديد الجوية: وفيها نحو 10 آلاف جندي إضافة إلى مقر القيادة المركزية الأميركية (CENTCOM) لإدارة العمليات في المنطقة.

قاعدة السيلية: مركز التخزين الرئيسي للمعدات والأسلحة الأميركية الثقيلة.

كما توجد قواعد بارزة أخرى في البحرين (الأسطول الخامس)، وفي الكويت والإمارات والسعودية والعراق وسوريا. وهكذا تحولت أراضينا إلى شبكة قواعد أميركية تتحكم في القرار العسكري والأمني للدول المضيفة.

وليس أدل على ذلك من تصريح ترامب عام 2019 حين قال صراحة:”لدينا قواعد عسكرية في الشرق الأوسط بفضل الدول الغنية هناك، وهذه القواعد أرض أميركية، ملك لنا، وليست لهم.”

بهذا الاعتراف المباشر، سقطت كل أوهام السيادة، وأصبح وجود القواعد مرادفًا للاحتلال المقنّع.

دروس من قصف الدوحة

الهجوم على قطر يكشف بوضوح أن:

1. السيادة القطرية منقوصة، فلا الأموال ولا القواعد الأميركية وفّرت الحماية.

2. التنسيق الأميركي – الإسرائيلي قائم، والضربة نُفذت بضوء أخضر من واشنطن.

3. التحالفات مع الغرب وهم كبير، فالمليارات المدفوعة ليست سوى “جزية” تضمن استمرار الأنظمة تحت المظلة الأميركية دون حماية حقيقية.

مصر… الاستثناء الذي يضيء الطريق ففي المقابل، تظل مصر المثال الأوضح على رفض التبعية، إذ لا توجد على أرضها قواعد أجنبية، ما منحها سيادة كاملة على قرارها الوطني. ولعل امتناع إسرائيل عن استهداف الوفد الفلسطيني المفاوض حين كان في القاهرة خير دليل على أن مصر “خط أحمر” لا يُتجاوز، لأنها تعتمد على سواعد أبنائها لا على حماية وافدة من الخارج.

هيا بنا نحو جيش عربي موحد إن ما جرى في قطر جرس إنذار لكل العرب فالقواعد الأجنبية لا تجلب أمنًا، بل تجعل أراضيكم مسرحًا لصراعات الآخرين. و صفقات السلاح الضخمة لا تحمي السيادة، بل تستنزف الثروات.واصبحت وحدة الموقف العربي ضرورة وجودية. فلا خلاص للعرب إلا بجيش عربي موحد، يحمي أوطانهم من الأطماع ويصون كرامتهم من الابتزاز. إن الدفاع عن السيادة اليوم صار فرض عين، والوحدة لم تعد خيارًا سياسيًا بل شرطًا للبقاء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى