ما لم تقله الورش… قالته تِيله

بقلم : سحر الزارعي
كنتُ اليوم في ورشة عن تقنيات الكتابة، وكان الحديث يدور حول البناء والترتيب، وحول القصة التي تبدأ من أولها وتمضي إلى آخرها في خطٍّ مستقيم. كانوا يتحدثون بثقة، وكأن الحياة تعرف هذا النظام وتلتزمه. ومن باب المزاح قلت إنني ربما أكتب قصة عني أنا وتِيله. ضحكنا، ومضى الحديث، لكن الجملة لم تمضِ، بقيت في نفسي، تُلحّ عليّ في هدوء.
والحق أن حبي للقطط لم يبدأ هنا، ولم يكن طارئًا. عرفته منذ الطفولة، حين كانت القطط تتحرك في بيتنا بلا حرج، وكأن لها حقًّا في المكان. كنت أراقبها بصمت، وأشعر دون أن أفهم أنني أنتمي إلى هذا الهدوء، وأن شيئًا في داخلي يستقيم كلما مرّت.
ثم تعود الذاكرة إلى المدرسة، إلى قطة صغيرة خبأتها في حقيبتي، وأخرجتها فرِحة لأريها صديقاتي. ضحكنا لحظة قصيرة، قبل أن تنقطع بصرخةٍ عالية، صرخةٍ لم أفهمها يومها، لكنها علّمتني مبكرًا أن ما أحبه لا يُسمح له دائمًا بالبقاء.
كبرتُ، وكبرت الرغبة معي، لكنها صارت أكثر خفاءً. كنت أُدخل قطة إلى البيت سرًّا، ثم أُخرجها حين يُطلب مني ذلك. لم يكن الأمر قسوة، بل حسمًا هادئًا، تكرر حتى صار الفقد مألوفًا، وصار الوداع عادة.
ومضت السنوات، ومضت أمي معها، وبقيتُ وحدي في إمارة أخرى بسبب العمل. هناك، في بيتٍ هادئ أكثر مما ينبغي، فهمت أن ما كنت أبحث عنه لم يكن قطة في ذاتها، بل الرفقة، أن يشاركك كائنٌ الصمت دون سؤال.
لهذا قررت، لا عنادًا ولا تعويضًا، بل فهمًا متأخرًا. تبنّيت تِيله. دخلت حياتي بهدوء، ولم تملأ البيت حركة، بل حضورًا. معها أدركت أن البيت ليس مكانًا، بل علاقة، وأن بعض القصص لا تبدأ حين نكتبها، بل حين نكون مستعدين لها. وليس ما كُتب هنا إلا جزءًا من الحكاية، وبداية لحديث لم يكتمل بعد، أما البقية، فلا تزال تنتظر وقتها المناسب.



