البحـث عـن شـجـاعة الـرئـيـس!!

بفلم/ علي رياح
خسرت السعودية بخمسة أهداف نظيفة ولا غبار عليها .. وخلال الساعات التي مضت سالَ حبر كثير حول هذه الهزيمة القاسية لأحد ممثلي العرب وآسيا في حضوره الخامس في تاريخ المونديال .. لكني ومع كل كرة كانت تهز الشباك السعودية ليكبر حجم الكارثة ، كنت أعود بالذاكرة إلى مشاركتنا الأولى والتي ظلت وحيدة في المونديال منذ عام 1986 ..
لعبنا في المكسيك ثلاث مباريات خسرناها كلها بفارق هدف واحد .. الأولى أمام الباراغواي وألغى الحكم المورسيوشي بيكون هدفا صحيحا لنا ، ثم أمام بلجيكا التي واصلت المشوار آنذاك وبلغت المركز الرابع في البطولة ، ثم جاءت الخسارة أمام البلد المضيف المكسيك بجمهوره المجنون العجيب في ملعب كان مليئا بصخب تضجّ به كل زاوية ، بحيث أن أي لاعب في فريقنا لم يكن في وسعه سماع صوت لاعب زميل على بعد ثلاثة أمتار!
أقول خسرنا مبارياتنا الثلاث بكل ظروفها الصعبة ، وبفارق هدف واحد ، ولم يكن فريقنا خاسرا بدرجة الهزيمة في أي وقت ، بل إنه كان بتشكيلته العامرة بالبدلاء أمام المكسيك كان يستحق التعادل على أقل تقدير إن لم نقل الفوز . ومع هذا ، وعندما عاد فريقنا وجد مشانق الصحافة قد أُعدّتْ له في كل الصحف والصفحات الرياضية ، ونال لاعبونا قدرا من النقد الجارح المُبرح ، وكنت بين الاستثناء عن هذه القاعدة وكتبت سلسلة مقالات طالبت فيها بأن نراعي أن للتاريخ كلمة سيقولها بعد حين من الزمن ، وأن ننظر إلى نتائجنا ومشاركتنا من زاوية أخرى ، وعلينا ألا نخسر فريقنا بهذا الهجوم الذي بدا موجّها مقصودا في ذلك الوقت!
ترى أيّ وجهين للمقارنة بين الحالتين العراقية والسعودية .. خسارة مشرّفة وهزيمة ماحقة في عرفنا نحن الصحفيين ، وهل ما حصل للأشقاء السعوديين أمس أمام فريق ليس بحجم الكبار أوربيا وعالميا ، يدفعنا إلى كتابة اعتذار متأخر مستحق بعد 32 سنة إلى منتخبنا الذي شرّفنا في المكسيك ، ولم يكن في وسعه أن يكون غير ذلك ، ومع هذا ناله من التجريح ما لم ينله منتخب عربي أو آسيوي آخر لعب قبله أو بعده في المونديال؟!
الفكرة هنا تتسع .. والاستطراد يتبعه استطراد .. والاستذكار يعود بي حتما إلى ذلك الموقف التاريخي العظيم للكابتن رعد حمودي بعد العودة من المكسيك .. رعد الذي واجه لوحده عاصفة النقد المُنظـّم في المؤتمر الصحفي الشهير ، وردّ بشجاعة لا توصف على سيول النقد ولم يبال بمن كان يقف وراء حملة النيل من لاعبينا .. كان شجاعا حين انعقدت الألسن التي كان يفترض بها الدفاع عن اللاعبين وعن حقيقة أننا ذهبنا إلى المكسيك ليس للفوز باللقب وإنما من أجل التمثيل المشرّف!
كان صوت رعد هادرا في المؤتمر ، حتى أنني وعند الخروج من القاعة وقد ترك (الكابتن) كل أمارات الغضب عليه في أنفس وعلى وجوه معظم رجال الصحافة ومنظمي (حفلة) التجريح ، قلت له : ألا تخشى أنك ستدفع ثمنا باهظا لصراحتك الهائلة وردّك الصاعق على من انتقدكم .. إنني بصراحة صرت أخشى عليك مما قلت؟!
كان رَدّ رعد على مخاوفي وخشيتي عليه في عام 1986 ابتسامة خفيفة شفيفة فيها كثير من المرارة .. لقد كان الكابتن شجاعا قال كلمة للتاريخ .. شجاعة نادرة حقا افتقدتها لديه فيما بعد حين أصبح الرجل المسؤول الاول عن الرياضة العراقية ..!
حقا .. لكل مقام مقال ! فلقد افتقدنا شجاعة اللاعب (الكابتن) في موضع (الرئيس) تسع سنوات كاملة في رئاسة اللجنة الاولمبية العراقية .. تسع سنوات مضت أبحث خلالها عن قرار شجاع واحد يتيم لصديقي رعد حمودي فأعجز عن العثور عليه!



