مقالات

الشعائر الحسينية.. بين الطقوس والرسالة


بقلم/ الأستاذ رواد فاضل

في كل عام، يحتشد الملايين في العراق لإحياء الشعائر الحسينية، من مواكب العزاء والمشي إلى كربلاء، إلى اللطم والندب وإقامة المجالس الحسينية. لكن يبقى السؤال الجوهري: هل هذه الشعائر مجرد استعراض حزن وتشبيه درامي لتفاصيل المأساة، أم أنها وسيلة لتجديد الفكر ونقل رسالة خالدة؟

الحقيقة أن الشعائر الحسينية، في جوهرها، ليست طقوسًا مجردة من المعنى، بل هي وسيلة لتذكير الأمة بموقف ثوري أخلاقي وديني اتخذه الإمام الحسين عليه السلام في لحظة مفصلية من تاريخ الإسلام. خروجه لم يكن سعيًا للسلطة أو طلبًا لدم، بل رفضًا للظلم، وإحياءً للقيم التي بدأ النظام الأموي بتدميرها، وعلى رأسها العدل، والحق، وكرامة الإنسان.

لكن ما يثير القلق اليوم، أن بعض ممارسي الشعائر توقفوا عند الشكل وأغفلوا المضمون. وهنا يأتي دور أهل الدين وخطباء المنابر الذين تقع عليهم مسؤولية تحويل المجالس من بكاء عاطفي صرف إلى وعي فكري نقدي، يشرح للناس لماذا رفض الحسين المبايعة، ولماذا قال “مثلي لا يبايع مثله”، وكيف يجب أن يكون هذا الموقف نبراسًا في كل زمان ومكان.

إن المطلوب من المنبر الحسيني ليس فقط إثارة العاطفة، بل بناء إنسان حسيني واعٍ، يرفض الذل، ويناصر الحق، ويحمل راية الإصلاح. الإمام الحسين خرج ليُصلح أمة جدّه، ونحن مطالبون أن نُصلح واقعنا بأفكاره، لا بمجرد إعادة تمثيل الفاجعة.

في النهاية، الشعائر الحسينية إحياءٌ لثورة فكرية قبل أن تكون حزنًا تاريخيًا. من يقرأها بهذه العين، يُدرك أن كربلاء لم تكن نهاية، بل بداية مشروع إصلاحي يمتد عبر العصور.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى