مقالات

هل أربعينية الحسين قضية أم فلكلور؟



بقلم المهندس رسول العذاري

كثير من الأصوات، خصوصًا من خارج المذهب، ترى أن إحياء أربعينية الإمام الحسين عليه السلام مبالغة لا ضرورة لها، وأن يوم عاشوراء وحده يكفي لإحياء الذكرى. لكن النقاش لا يكتمل إن لم ننظر إلى الأمر من زاويتين: زاوية العقل، وزاوية العاطفة العقائدية التي تعيش في وجدان الملايين.

العالم اليوم يعرف كيف يصنع أبطاله. هوليوود والإعلام الغربي يصرفون ملايين الدولارات، يكتبون القصص، ويبتكرون المشاهد، ويجعلون ممثلين يقفون في مواقف إنسانية أو بطولية، ليزرعوهم في عقول الشباب كنماذج وقدوات. لكننا نحن لا نحتاج إلى مؤثرات خاصة ولا ديكورات ضخمة. بطلنا موجود في تاريخنا وقلوبنا منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا، حاضر في الذاكرة والضمير والوجدان: الحسين بن علي.

الحسين لم يكن بطلًا صنعه خيال كاتب أو إخراج مخرج، بل كان إنسانًا حقيقيًا، واجه الظلم والفساد بثبات، ودفع حياته وأهل بيته وأصحابه ثمنًا للحق والحرية. هو البطل الذي تغنّى به الشعراء، وحكته الأمهات لأطفالهن، وردد اسمه الشباب والشيوخ على السواء. بطل لا يمكن للإعلام الصناعي أن يخلق مثله، لأنه لا يُقاس بمشاهد مصطنعة، بل بدماء سالت في سبيل مبدأ.

أربعينية الحسين ليست مجرد طقوس أو مسيرة حاشدة، بل هي إعلان حي أن القيم التي استشهد من أجلها لم تمت. هي تجديد عهد، وتذكير عالمي بأن الظلم لا يُنسى، وبأن التضحية من أجل الحق تبقى حية في قلوب الأحرار، مهما مر الزمن.

من يراها فلكلورًا قد لا يدرك عمقها الروحي والتربوي. إنها ليست مناسبة للذكرى فقط، بل مدرسة مفتوحة، تُعلّم الصبر، والعطاء، والوفاء للمبادئ، وتمنح الأجيال نموذجًا بطوليًا حقيقيًا، في زمن الابطال الوهميين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى