هل تخلت الدول العربية عن الأردن؟

بقلم : يوسف حسن
في وقتٍ تشهد فيه المواقف الرسمية لعمان تصعيدًا ملحوظًا في إدانة السياسات التوسعية للكيان الصهيوني، سواء ما يتعلق بتدمير غزة أو نهب الضفة الغربية، وهو الوصف الذي استخدمه مؤخرًا وزير الخارجية الأردني خلال اجتماع وزراء الخارجية العرب. هذه المواقف تعكس إلى حد كبير المزاج العام في الشارع الأردني، الذي يشارك الحكومة قلقها من مغامرات محتملة قد يقدم عليها الكيان ضد المملكة.
وفي ظل هذا المناخ، كثّف المسؤولون الأردنيون، وعلى رأسهم وزير الخارجية، دعواتهم المتكررة إلى الدول العربية والإسلامية للوقوف إلى جانب الأردن وتبنّي مواقفه، غير أن تلك الدعوات لم تلقَ حتى الآن الاستجابة المرجوة، ما يضع المملكة أمام مشهد إقليمي يفتقر إلى الحاضنة العربية المطلوبة.
كانت عمّان تأمل في الاجتماع الأخير لوزراء الخارجية العرب أن تشهد تحرّكًا موازيًا لموقف مصر من قِبَل بقية الدول العربية، غير أنّ ذلك لم يحدث. فالدول الخليجية التزمت الصمت، وكذلك ممثلو تونس والمغرب الذين أحجموا عن أي مشاركة فاعلة في تأييد مخاوف الأردن أو الإقرار بجدّية التهديدات التي يواجهها.
وقد أدّى هذا الواقع إلى اتساع مساحة الانتقاد في الإعلام الأردني تجاه هذا النهج، حيث نُشرت مقالات وتصريحات تحمل نبرة احتجاجية حادّة أحيانًا ضد بعض تلك الدول، في تعبير واضح عن خيبة الأمل من غياب المساندة العربية المنتظرة.
ومن بين هذه المواد الإعلامية ما جاء في حوار أجراه الدكتور عصام صيام، أستاذ العلاقات الدولية في واشنطن، مع الصحيفة الإلكترونية “أخبار الأردن”، حيث أكد أنّ سبعة تقارير نشرتها هذا الأسبوع وسائل إعلام أمريكية وأوروبية وإسرائيلية، تشير بوضوح إلى أنّ دولتين من دول الخليج أقدمتا على إرسال خمس شحنات من الأسلحة إلى الكيان الصهيوني، استُخدمت في عمليات الإبادة ضد الشعب الفلسطيني.
وأضاف صيام، من دون أن يسمّي هاتين الدولتين، أنّ إحدى هذه الدول، التي تقيم علاقات متينة مع إسرائيل في إطار التطبيع، قامت بشراء شحنة أسلحة كانت إسبانيا قد امتنعت عن تصديرها إلى تل أبيب، لتعيد بيعها مباشرة وبالسعر ذاته إلى إسرائيل.
وشدّد صيام على أنّ هذه الدولة نفسها قدّمت أيضًا وديعة مالية بقيمة 40 مليار دولار للبنك المركزي الإسرائيلي، خصّصت منها 10 مليارات كمنحة مباشرة لتمويل تجهيزات الحرب. وبحسب رأيه، فإن دولة أخرى في المنطقة قامت بتسليم شحنة ضخمة من الأسلحة مجانًا إلى الكيان الصهيوني، في محاولة منها لإظهار ولائها للنهج الأميركي ـ الصهيوني الهادف إلى إنشاء “شرق أوسط جديد” خالٍ من محور المقاومة.
كما وجّه الخبير العسكري الأردني محمد المغاربة انتقادات حادة لتشتّت المواقف العربية والدعم الأميركي الواسع لإسرائيل، مؤكّدًا أنّ الأردن يواجه خطرًا وجوديًا حقيقيًا، وأن المملكة لا تملك القدرة على التصدي منفردة للتهديدات الراهنة في المنطقة. وقال إنّ “كل الأعباء باتت تنهال على الأردن، بما في ذلك السلطة الفلسطينية العاجزة، التي فقدت بتركيبتها الحالية شرعيتها الداخلية والخارجية، ولم تعد قادرة على تمثيل الشعب الفلسطيني أو الدفاع عن قضيته”، مشددًا على أنّ هذا الوضع يضع الأردن أمام تحديات أمنية وقومية بالغة الحساسية والخطورة.
وبرأيه، فإن وجود سلطة فلسطينية عاجزة ومثقلة بالمشكلات أوجد فراغًا سياسيًا وأمنيًا استغلّه الآخرون لتمرير أجنداتهم. وحذّر المغاربة الحكومة الأردنية من أنّ الوقت ليس للمشاهدة أو الانتظار، مؤكّدًا أنّه لا يجوز السماح بأن تُحمَّل المملكة تبعات تصفية القضية الفلسطينية. وشدّد على أنّ هذه المرحلة تتطلب تحرّكًا استباقيًا واسعًا يقود إلى اختيار قيادة جديدة للشعب الفلسطيني، قادرة على استعادة ثقته ونيل الدعم الأردني والعربي والدولي.
ويرى المغاربة أنّ هذا الخيار يشكّل بمثابة “لوح خشبي” في بحرٍ إقليمي متلاطم، يمكن أن يكون الطريق الوحيد لإنقاذ الأردن. أمّا بقاء الوضع على حاله واحتكار الساحة الفلسطينية من قِبَل سلطة متداعية تفتقر إلى الدعم الشعبي، فلن يؤدي سوى إلى وضع المملكة في مرمى ضغوط مضاعفة.
ويجمع معظم المحللين على أنّ الأردن لم يواجه من قبل تعقيدات وتحديات بهذا المستوى من الخطورة، مؤكدين أنّ أي خطأ في اتخاذ القرارات الاستراتيجية أو أي حسابات غير دقيقة ستكون له عواقب وخيمة، وأن المرحلة الراهنة تستدعي قدرًا استثنائيًا من الحكمة والحنكة. فالأردن هو أقرب وأيسر ساحة جغرافية لأي مغامرة صهيونية محتملة، في حين أنّ غياب شريك فلسطيني يمكن الاعتماد عليه لا يعدو كونه أحد المعضلات التي ترتبط مباشرة بالأمن القومي الأردني.
وتعبير “الوطن البديل” يتكرر هذه الأيام بكثافة، في وقت يسعى فيه المسؤولون الأردنيون إلى حشد أكبر قدر ممكن من الحلفاء، إدراكًا منهم بأنهم غير قادرين على مواجهة التحديات المقبلة بمفردهم. غير أنّ السؤال الذي يفرض نفسه هو: هل تخلّت الدول العربية حقًا عن الأردن؟