مقالات

الكوميديا السوداء للديمقراطية بين الوهم والمقاطعة (٢)

بقلم / المهندس رسول العذاري

الغارقون في الفقر واليأس، لم يعودوا يترّجون شيئًا من الانتخابات. بعضهم يبيع صوته مقابل بطانية، أو
كيس طحين، أو وعٍد بوظيفة لن تأتي. لقد تحّولت الديمقراطية من وسيلة للتغيير، إلى سوق نخاسة سياسية.
في البداية، كنت من المحفزين للمشاركة. جادلت المقاطعين، ناقشتهم، بل واعتبرت المشاركة مسؤولية وطنية.
لكن اليوم، وبعد كل ما جرى، وجدتني أميل للمقاطعة. هل تغيرت المبادئ؟ لا، ولكن حين تتحول المشاركة إلى
تزكية للفساد، تكون المقاطعة أحيانًا أنبل.
ثم يُطرح السؤال: لماذا لم ينبثق من الناس المقاطعين أحزاب أو حركات سياسية بديلة؟ الجواب بسيط ومؤلم.
الاحزاب المدنية فشلت فشًلا ذريعًا. لا مال لديها، لا نفوذ، ولا حتى ثقة الناس، فالذي تم تسويقه كـ”مدني” في
البرلمان، صار في أحيان كثيرة أكثر انقيادًا لاصحاب السلطة من أولئك الذين ثار عليهم. بعضهم تحول إلى
مجرد تابع، و”مدني بواجهة دينية”، أو “ليبرالي بتحالف فصائلي”.
سنغير وجوه الرؤساء. رئيس جديد للبرلمان، وآخر للحكومة، وثالث للقضاء، لكنهم جميعًا من نفس الطبقة
السياسية التي استولت على البلاد منذ عشرين عاما. المسميات تتغير، أما التوافقات والمحاصصة فهي باقية، بل
راسخة أكثر من الدستور.
فهل أذهب إلى صناديق الاقتراع؟ أم أقاطع؟
الاجابة لم تعد فردية، بل وجودية. إن كانت المشاركة تكريسا للوضع الراهن، فربما المقاطعة هي الصرخة
المتبقية في وجه سلطة لا تحترم صوت الناس، ولا وجعهم، ولا جوعهم.
“الديمقراطية ليست صندوق اقتراع فقط، بل هي وعي جمعي، ومسؤولية أخلاقية، ونظام يعلو على النزوات،
لا يتشكل بالاوراق بل بالعقول.”
وربما يحق لنا بعد عقدين من “المشاركة” أن نعيد صياغة السؤال الاساسي:
هل كانت المشكلة في صناديق الاقتراع أم في العقول التي تضع الاوراق داخلها؟
هل كانت في القوانين أم في الذين يصيغونها كل مرة وفق مصالحهم؟
أم أن الديمقراطية ذاتها تحولت إلى كلمة طيّعة، تُرفع بيد وتُذبح بالاخرى؟
في بلد لم يعد يثق حتى بالضوء في آخر النفق، تصبح المقاطعة موقفًا، لا كسلا، وتتحول المشاركة إلى عبء
ضمير، لا فخر مواطنة َ
نحن لا نعيش ديمقراطية… نحن نعيش تكرارا مأساويًا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى