مقالات

موازنة الدولة العراقية للعام 2023 نقد وتحليلالحلقة الثالثة: التشغيلية تخنق الرأسمالية

الدكتور حسين الاسدي

بلغت النفقات التشغيلية في موازنة عام 2023 اعلى مستوياتها قياساً بالسنوات السابقة حيث قدرت بـ(133 ترليون د.ع) وهو ما يعادل (102 مليار $) تقريباً أي بنسبة (66٪) من الموازنة الكلية المقدرة بـ(199 ترليون د.ع) وتشمل النفقات التشغيلية النفقات التي ترتبط بتشغيل وإدارة المؤسسات فتتضمن هذه النفقات جميع التكاليف والمصروفات التي يتعين تحملها للحفاظ على استمرارية العمليات اليومية وتقديم الخدمات كرواتب وأجور الموظفين والمكافآت والمزايا الإضافية فبلغت رواتب الموظفين على الملاك الدائم (59,81 ترليون د.ع) ورواتب مؤسسات التمويل الذاتي (2,1 ترليون د.ع) ورواتب الرعاية الاجتماعية (27.94 ترليون د.ع) وأقساط خدمة الدين الداخلي والخارجي (18.96 ترليون د.ع) ونفقات عقود التراخيص النفطية مع نفقات نقل نفط إقليم كردستان (15 ترليون د.ع) واستيراد الغاز والكهرباء (4.84 ترليون د.ع) وأجور كهرباء المستثمر المحلي (2 ترليون د.ع) واذا ضربنا عدد براميل النفط المقدر تصديرها بما في ذلك التزام الاقليم بالسعر المقدر تكون الحسابات (3,5 مليون برميل يومياً في 70 $) تكون النتيجة (245 مليون $ يومياً) واذا كان التصريف للدولار بـ(1300 د.ع) فتكون النتيجة (318,5 مليار د.ع) يومياً وسنويا (116,25 ترليون د.ع) ، فالدولة العراقية تقف على جرف هارٍ فليس معلوماً ثبات النفط بهذا السعر بل المتيقن انه غير ثابت ومعلوم ماهية العوامل السياسية وما تبعها من عوامل اقتصادية والتي أدت الى صعوده هذه الفترة كما وغير معلوم التزام الاقليم كما تعودنا في السنوات السابقة فلم يحصل ان استمر العمل المشترك بينه وبين بغداد وهو ما يقلل الإنتاج الى (3,1 مليون برميل يومياً) وبغض النضر عن هذا كله فالدولة تقف بمنطقة العجز، والمبالغة بالعائدات غير النفطية لن ينفع كثيراً لأنه مجافاة للواقع فنحن بين الضرائب والرسوم وتحميل الاقتصاد الأعباء الإضافية وبين القروض وهو حمل اخر على الاقتصاد ودورته المعهودة، لنعود مرة أخرى الى النفقات التشغيلية على حساب الاستثمارية فعندما تكون النفقات التشغيلية أكبر من النفقات الرأسمالية في الموازنة العامة، يمكن أن تواجه الموازنة العديد من المشاكل والتحديات، فالبنية التحتية تتدهور، فالنفقات الرأسمالية هي تلك المخصصة لتمويل المشاريع الجديدة وتحسين وصيانة المرافق الحالية مثل الطرق والجسور والمدارس والمستشفيات وعندما لا يكون توازن بين النفقات التشغيلية والنفقات الرأسمالية، يتم تأجيل أو تقليل الاستثمارات في تحسين البنية التحتية وهو يؤدي إلى تدهور تدريجي في البنية التحتية الموجودة، مثل تآكل الطرق والجسور، وسوء حالة المدارس والمستشفيات، وتلف الشبكات الكهربائية والمياه والصرف الصحي وتدهور البنية التحتية وهو بمجموعه يسبب العديد من المشاكل والتحديات فانه يؤدي إلى زيادة ازدحام المرور وتأخر الوقت في التنقل، مما يؤثر على الاقتصاد وحياة الناس اليومية ويحدث انهيار المرافق الحيوية، مما يؤثر على الصحة العامة ويزيد من مخاطر الكوارث الطبيعية، ان تحسين البنية التحتية يعتبر استثمارًا حيويًا لتعزيز التنمية الاقتصادية وتحسين جودة الحياة فإذا كانت النفقات التشغيلية تستهلك غالبية الميزانية، فقد يتعذر تخصيص التمويل الكافي لتحسين البنية التحتية، مما يعطل التنمية المستدامة ويعوق النمو الاقتصادي وبالتأكيد ينتج قلة الاستثمار في المشروعات الجديدة وهو يؤثر على التمويل المتاح للمشروعات الجديدة ان النفقات الرأسمالية هي النفقات المخصصة لتمويل المشاريع الجديدة والاستثمارات الطويلة الأجل التي تساهم في تعزيز النمو الاقتصادي وتحسين البنية التحتية التي تتضمن هذه المشاريع بناء الطرق والجسور والمطارات والمستشفيات والمدارس والمشاريع الصناعية والتكنولوجية وعندما يتم تقليل النفقات الرأسمالية بسبب الافراط في النفقات التشغيلية، يمكن أن يتأخر تنفيذ المشروعات الجديدة أو يتم إلغاؤها تمامًا كما حصل في السنوات السابقة في العراق فتأخر بناء المدارس والمستشفيات والطرق والجسور والبنى التحتية والفوقية هذا فضلاً عن آفة الفساد المستشري وهو ما يتسبب في فقدان الفرص التنموية والاستثمارية للبلد، ويؤثر على القطاعات الحيوية مثل الصناعة والسياحة والتكنولوجيا فعدم استثمار الموارد في المشروعات الجديدة يكون له تأثير سلبي على النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة فالمشروعات الجديدة تعمل على خلق فرص عمل جديدة وتعزيز الإنتاجية وتنويع الاقتصاد وإذا كانت النفقات التشغيلية تأخذ الأولوية والنصيب الأكبر من الميزانية، فانه يتعذر توفير التمويل اللازم لتنفيذ المشروعات الجديدة، مما يعوق التطور الاقتصادي والابتكار وبالتالي، يجب أن يتم توازن تخصيص الموارد المالية بين النفقات التشغيلية والنفقات الرأسمالية بالشكل الصحيح ومن المهم هنا ان نبين ان ارتفاع النفقات التشغيلية على حساب الرأسمالية يؤدي الى عدم تلبية الاحتياجات العامة للمواطنين فالنفقات التشغيلية هي النفقات التي تستخدم لتشغيل الحكومة وتغطية التكاليف اليومية، مثل الرواتب والأجور والمصروفات العامة والخدمات العامة وتشمل أيضًا التمويل اللازم للمؤسسات الحكومية والقطاعات الحيوية مثل التعليم والصحة والنقل العام والأمان العام فعندما تتفوق النفقات التشغيلية على النفقات الرأسمالية، يمكن أن يكون هناك نقص في الموارد المخصصة لتلبية الاحتياجات العامة للمواطنين فيتعذر على الحكومة تلبية الحاجات الأساسية على سبيل المثال، قد يكون هناك نقص في توفير التعليم ذو الجودة العالية، وتأثير ذلك على فرص التعليم والتنمية الشخصية للأفراد ويتراجع تقديم الرعاية الصحية الكافية، مما يؤثر على صحة ورفاهية المجتمع ويكون هناك نقص في وسائل النقل العام الموثوقة والفعالة، مما يؤثر على التنقل والوصول إلى الوظائف والخدمات الأخرى ويقلل النقص في الأمان العام من الشعور بالأمان ويؤثر على استقرار المجتمعات وينتج تفاقم الفقر والتهميش الاجتماعي ويعاني الأفراد من صعوبة الوصول إلى الخدمات الأساسية، مثل التعليم والرعاية الصحية والنقل والإسكان اللائق، مما يقيّدهم في تحقيق إمكاناتهم الكاملة وتحسين وضعهم الاقتصادي والاجتماعي وعدم تلبية الاحتياجات العامة للمواطنين يؤثر على الثقة في الحكومة والمؤسسات العامة، حيث يشعر الأفراد بعدم الحصول على الخدمات والرعاية التي يستحقونها من الحكومة ويؤدي ذلك إلى تدهور العلاقة بين الحكومة والشعب، وقد يزيد من عدم الرضا والاستياء العام وبشكل عام، عدم توفير الاحتياجات العامة الأساسية للمواطنين يمثل تحديًا كبيرًا في تحقيق التنمية المستدامة وتحسين جودة الحياة. يتطلب تحقيق التوازن بين النفقات التشغيلية والنفقات الرأسمالية في الموازنة العامة، وتخصيص الموارد بشكل فعال لتلبية الاحتياجات العامة للمواطنين، وتعزيز العدالة الاجتماعية والاقتصادية لضمان حياة كريمة للجميع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى