مقالات

لماذا القرار العربي بعيد عن التأثير رغم الاستثمارات الترليونية في أمريكا؟


بقلم المهندس رسول العذاري
رغم حجم الاستثمارات الخليجية الهائل في الولايات المتحدة، والتي بلغت تريليونات الدولارات، لا يزال القرار العربي، وخصوصًا القرار السعودي والقطري، بعيدًا عن التأثير المباشر في السياسات الأمريكية الكبرى، لا سيما تلك المتعلقة بالملفات الإقليمية الحساسة مثل الصراع الإيراني الإسرائيلي. زيارة ترامب المتكررة للمنطقة، وتوقيعه لصفقات ضخمة، كان يفترض أن تمنح الدول الخليجية أدوات ضغط فعّالة على واشنطن، لكن الواقع يظهر عكس ذلك، ويثير تساؤلات جدية حول فعالية الدبلوماسية الخليجية ومحددات النفوذ الحقيقي في العلاقات الدولية.

السعودية وقطر من أكثر الدول تضررًا من  الحرب  بين إيران وإسرائيل، سواء على مستوى الأمن الإقليمي، أو من خلال تهديد استقرار أسواق الطاقة والاستثمارات. ومع ذلك، لم نسمع عن مواقف حاسمة من قبلهما تطالب بوقف التصعيد، أو تستخدم أدوات الضغط الاقتصادية للتأثير على القرار الأمريكي. هذا الغياب ليس بسبب ضعف الإمكانيات، بل نتيجة عوامل متداخلة، أبرزها اعتماد منظومات الحكم في الخليج على الحماية الأمريكية كشبه ضمانة لبقائها واستقرارها، مما يجعلها مترددة في استخدام أوراقها كاملة ضد واشنطن، خوفًا من تبعات سياسية أو أمنية.

إلى جانب ذلك، فإن صناعة القرار الأمريكي لا تتأثر فقط بالمال، بل تحكمها اعتبارات استراتيجية، وأولويات أمن قومي تُحددها مؤسسات عميقة مثل البنتاغون والكونغرس والـCIA، وهذه الجهات ترى في دعم إسرائيل مصلحة دائمة، بينما تنظر للحلفاء الخليجيين كمصادر للنفط والاستثمارات لا أكثر، لا كشركاء ذوي تأثير سياسي فاعل. كما أن إسرائيل تستفيد من اللوبيات الضاغطة في واشنطن، بينما لا تملك الدول الخليجية أدوات ضغط مماثلة، رغم ما تمتلكه من مال ونفوذ اقتصادي.

الغريب في الأمر أن الخليج، رغم مخاوفه الكبيرة من امتلاك إيران للسلاح النووي، ورغم عدائه التاريخي مع طهران، لا يستخدم موقفه هذا لصياغة تحالف دبلوماسي قوي يفرض شروطه على الأرض. ويبدو أن بعض العواصم الخليجية بدأت تنفتح على إسرائيل دبلوماسيًا دون النظر إلى موقف شعوبها، مما يزيد فجوة الثقة ويفقد تلك التحركات أي شرعية شعبية يمكن أن تستند إليها في بناء نفوذ سياسي حقيقي.

المطلوب اليوم ليس فقط ضخ الأموال في الاقتصاد الأمريكي، بل استخدام هذه الأموال كورقة ضغط ذكية، مقرونة بتحركات دبلوماسية جريئة، تطالب بوقف التصعيد الإيراني الإسرائيلي، حفاظًا على استقرار المنطقة والعالم. فالمعادلة بسيطة: من يملك المال يجب أن يملك الكلمة، لكن بشرط أن يعرف متى وكيف يستخدمها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى