هل أربعينية الحسين قضية أم فلكلور؟(٣)
دروس إنسانية من الطريق إلى كربلاء

بقلم المهندس رسول العذاري
في الطريق إلى كربلاء، كل خطوة تحمل قصة، وكل موكب يروي درساً في الأخلاق لا تجده في الكتب. شاب جامعي لم يكن يقبل أن يذهب لشراء الخبز في أيامه العادية، تجده في الأربعينية يستيقظ قبل الفجر ليشتري الخبز والقيمر ويوزعه على الزائرين بابتسامة ورضا. رجل مسن يمد قدميه المتعبة ليتفاجأ بشاب في مقتبل العمر ينحني ليدلكهما دون أي شعور بالحرج أو الاستعلاء.
هذه المشاهد تتكرر آلاف المرات على طول الطريق، وكأن الحسين عليه السلام جمع الناس ليذكّرهم بأن الكرامة الحقيقية ليست في التعالي، بل في الخدمة، وأن القوة الحقيقية ليست في السيطرة، بل في العطاء.
ما يميز هذه اللحظات هو أنها تكسر الحواجز بين الناس. الفقير والغني، الريفي والمدني، المتعلم والأمي، جميعهم يجلسون على نفس المائدة، يأكلون من نفس الطبق، ويتقاسمون الخبز والماء. إنها مساواة عملية، ووحدة مجتمعية نادرة في عالم يزداد انقساماً يوماً بعد يوم.
لو استطعنا أن نحمل هذه الروح معنا بعد انتهاء الأربعينية، لكانت شوارعنا أقل خلافاً وقلوبنا أكثر رحمة. إن أكبر درس تمنحه الأربعينية هو أن العطاء لا يحتاج إلى موسم، بل إلى نية صادقة تجعل من خدمة الناس عادة يومية، لا ذكرى موسمية.