أخبار دولية

تقرير : مصرف ليبيا المركزي بين اجتماع إسطنبول ومتطلبات الفيدرالي الأمريكي

في أعقاب مشاركة وفد مصرف ليبيا المركزي في اجتماع البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بمدينة إسطنبول يومي 18 و19 يونيو 2025، برزت مؤشرات واضحة على توجه جديد يقوده المصرف نحو الامتثال لشروط ومعايير مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي. هذه الخطوة تحمل أبعاداً استراتيجية مهمة، كونها تأتي في وقت حساس يحتاج فيه الاقتصاد الليبي إلى تعزيز ثقة الشركاء الدوليين وضبط إيقاع السياسات النقدية داخلياً.

قراءة في الأبعاد

يرى عدد من الخبراء المحليين أن هذا التحول لا يقتصر على تحسين صورة ليبيا المالية، بل يشكل استجابة مباشرة لضغوط دولية متزايدة بشأن مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وهي الملفات التي طالما عرقلت انسياب التعاملات الليبية مع الخارج.

اعتبر المصرفي علي الدرسي أن “التحرك الأخير للمركزي الليبي يمثل نقلة في آليات إدارة الاحتياطيات، حيث سيخضع حجم التداولات وتحويلاتها لتدقيق أعلى، ما قد يقلص من الهدر والفساد في استخدام النقد الأجنبي.”

تجارب مقارنة :

• العراق: بعد عام 2003، اضطر البنك المركزي العراقي للامتثال لشروط الفيدرالي الأمريكي كشرط أساسي لإدارة احتياطياته بالدولار. ورغم التحديات، ساعد ذلك على إعادة بناء جسور الثقة مع المؤسسات المالية الدولية.

• السودان: عقب رفع العقوبات في 2017، حاول البنك المركزي السوداني تطبيق معايير مشابهة، لكن غياب الاستقرار السياسي عرقل العملية وأدى إلى فقدان الثقة مجدداً.

• مصر: بعد برنامج الإصلاح مع صندوق النقد الدولي في 2016، عزز البنك المركزي المصري ضوابطه على التحويلات المالية، ما ساعد على استعادة تدفق الاستثمارات الأجنبية.

هذه التجارب توضح أن الامتثال لمتطلبات الفيدرالي الأمريكي يمكن أن يكون سلاحاً ذا حدين: نجاحه يتوقف على وجود بيئة سياسية مستقرة وآليات رقابية فعالة.

التحديات أمام ليبيا

رغم الإيجابيات، فإن تطبيق معايير صارمة في بلد يعاني من انقسامات سياسية ونقص في البنية التحتية المالية قد يخلق عقبات، مثل:

• احتمالية صعوبة تكيّف بعض المصارف المحلية مع النظم الجديدة.

• زيادة الضغط على التجار الصغار والمستوردين في ظل قيود التحويلات.

• الحاجة إلى بناء قاعدة بيانات دقيقة ومتكاملة للعمليات المصرفية.

الخلاصة

ما بعد اجتماع إسطنبول ليس كما قبله: مصرف ليبيا المركزي يضع نفسه على سكة جديدة تتماشى مع النظام المالي العالمي الأكثر انضباطاً. نجاح هذه الخطوة مرهون بقدرة ليبيا على تحويل الامتثال من مجرد التزام نظري إلى ممارسة يومية تنعكس على الأسواق المحلية والدولية.

إنها بداية مرحلة يمكن أن تعيد الثقة الدولية بالاقتصاد الليبي، شريطة أن تُترجم إلى إصلاحات مؤسسية شاملة تحصّن القطاع المصرفي وتعيد بناء جسور التعاون مع الشركاء الماليين في الخارج.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى