كورمور … الحقل الذي تحوّل إلى ساحة تنازع نفوذ إقليمي وسياسي !!!

د. احمد الاعرجي
يُعدّ حقل كورمور للغاز في شمال العراق أحد أبرز الأعمدة الحيوية لمنظومة الطاقة في إقليم كردستان إذ يغذّي محطات الكهرباء الرئيسية بالغاز اللازم للتوليد ويشكّل شرياناً اقتصادياً لا يمكن تعويضه بسهولة .
ومع تكرار الهجمات التي استهدفته في السنوات الأخيرة عاد الحقل إلى واجهة الأحداث مجدداً بعد تقارير إعلامية – بعضها صادر عن مواقع تُوصف بأنها تابعة لجهات رسمية إسرائيلية – اتهمت تركيا بالوقوف خلف الضربة الأخيرة التي أصابت منشآت الحقل .
وبين تضارب الروايات والصراعات السياسية المحيطة بالحادث تبرز أهمية تحليل الصورة بعين واقعية لفهم ما يجري وتداعياته على العراق والمنطقة .
تعرض حقل كورمور مؤخراً لهجوم بطائرة مسيّرة أصابت أحد خزانات الغاز ما أدى إلى توقف الإنتاج وانقطاع إمدادات الغاز عن محطات الكهرباء في أربيل والسليمانية.
النتيجة كانت انهيار جزء كبير من منظومة الكهرباء وغياب الطاقة عن مدن رئيسية لساعات طويلة في مشهد أعاد للأذهان هشاشة البنية التحتية للطاقة في الإقليم والعراق عموماً .
أهمية الحقل لا تكمن فقط في قدرته الإنتاجية بل في موقعه ضمن معادلة الغاز الإقليمية فالإقليم يسعى منذ سنوات لتعزيز دوره كمصدر بديل للطاقة وهو ما يجعل أي استهداف للحقل ضربة مباشرة لمسار اقتصادي وسياسي حساس .
اللافت في هذه الجولة من الهجمات كان بروز اتهامات إعلامية تشير إلى أن تركيا تقف وراء العملية بدافع الضغط السياسي وإعادة ترتيب التحالفات بما يخدم مصالحها .
ورغم أن هذه الاتهامات أثارت جدلاً واسعاً فإنها بقيت دون دليل واضح أو إعلان رسمي من أي جهة عراقية أو دولية في حين سارعت أنقرة إلى إدانة الهجوم ونفت أي علاقة لها به .
إلا أن مجرد تداول مثل هذه الروايات يكشف حجم التعقيد المحيط بموقع كورمور على خريطة الصراع الإقليمي فالحقل لا يمثل مجرد منشأة اقتصادية، بل ورقة نفوذ تستخدمها أطراف متعددة لتحسين موقعها في التوازنات السياسية داخل العراق وخارجه .
من جهة أخرى يرى مراقبون أن الهجمات المتكررة على الحقل ليست مجرد عمليات عسكرية معزولة بل رسائل ضغط موجهة نحو حكومة الإقليم لتقييد سياساتها الاقتصادية أو الحد من طموحاتها في تصدير الغاز مستقبلاً .
وهنا يدخل العامل السياسي المحلي إذ تتقاطع مصالح أطراف عراقية – من الإطار الشيعي إلى قوى سنية – مع مصالح إقليمية ودولية تجعل من ملف الطاقة ورقة مساومة دائمة الحضور .
في المحصلة يبقى حقل كورمور رمزاً لصراع أكبر من مجرد ضربة مسيّرة إنه صراع على النفوذ وعلى شكل العراق القادم وعلى مستقبل الطاقة في المنطقة .
ولمنع تكرار مثل هذه الهجمات أو استغلالها سياسياً يحتاج العراق إلى تحقيقات شفافة وسياسات واضحة لحماية منشآته الحيوية بعيداً عن الضباب الإعلامي والمناكفات التي لا تخدم سوى الفوضى



