التشافي من الصدمات… رحلة العودة إلي نفسك

بقلم د أمال ابراهيم
استشاري العلاقات الأسرية
نظن أحيانًا أن قراءة كتاب، أو كتابة نص في هذا الفضاء، أو حضور تدريب، أو حتى جلسة مع معالج نفسي تكفي لالتئام جرحٍ هزّ أعماقنا، وصدع قلوبنا، وترك في الروح شرخًا لا يُرى ولكن يُحسّ بثقله كل يوم.
نظن أن هذه الأدوات وحدها قادرة على جمع شتاتنا بعد لحظة انفصلت فيها الروح عن الجسد، وتجمد فيها الخوف والشك والخزي في طبقات سميكة حول القلب.
لكن الحقيقة أن كل تلك المحاولات – مهما بدت مريحة – ليست الشفاء… بل هي أبواب تؤدي إليه.يقول الباحث بيسيل فان دير كولك صاحب كتاب “الجسد يحتفظ بالذكريات”:
“الصدمة ليست الحدث الذي مررت به، بل ما تركه الحدث داخل جهازك العصبي”.
ولهذا، فإن القراءة، والكتابة، والدعم، والحديث… كلها محاولات لإعادة التواصل مع ذاتك بعد أن أبعدتك الصدمة عنك.
كل نشاط يهدف إلى التشافي هو جسر صغير بينك وبين حقيقتك، وهذا جميل… لكنه قد يكون خادعًا إن تحوّل إلى اعتماد كامل على مصدر واحد يمنحك راحة سريعة، أو جرعة أمل مؤقتة.
الصدمات تجعل الإنسان يبحث عن ما يسميه علماء النفس الإيجابي “المسكن النفسي” — أي الشيء الذي يمنح لحظة هدوء، لا تغييرًا عميقًا.أما التشافي الحقيقي، فهو كما يصفه كارل يونغ:”أن تتوقف عن الهروب من ألمك، وأن تتوقف عن البحث خارجك عمّا لا ينقصك في الداخل”.
إنه القدرة على أن تستغني تدريجيًا عن كل ما تتعلق به كدعامات مؤقتة، وأن تتحمل خفة الوقوف على قدميك مرة أخرى.
إنه عودة بطيئة، لكنها ثابتة، إلى ذاتك.
خطوات نحو التشافي – بنظرة علم النفس الإيجابي
1. الاعتراف بالألم دون تجميله
الشجاعة ليست تجاوز الصدمة… بل مواجهتها بوعي.كما يقول براينت وونغ في دراسات الصلابة النفسية:”التسميَة أول الطريق للسيطرة”.
2. إعادة بناء السلام الداخلي عبر الجسد
التنفس العميق، التأمل، المشي، واليوغا ليست رفاهية.إنها طرق تهدئ الجهاز العصبي الذي دمّرته الصدمة قبل أن تهدئ أفكارك.
3. كتابة السرد الجديد لحياتك
يسمي جيمس بينيبيكر ذلك إعادة سرد الهوية، أي كتابة القصة من زاوية القوة لا الجرح.
4. علاقات آمنة تعيد للروح ثقتها
إنسان واحد يشعر معك بصدق قد يكون أعظم علاج.فالشفاء يحدث في العلاقات قبل أن يحدث في الجلسات.
5. التخلي عن الاعتماد المفرط على “منقذ خارجي”وهنا يكمن جوهر التشافي الحقيقي:أن تصبح قادرًا على أن تمنح نفسك ما كنت تنتظر من الآخرين أن يمنحوه لك.
6. تحويل الألم إلى معنى
كما تقول فيكتور فرانكل:
“في اللحظة التي تجد فيها معنى لألمك… لم يعد الألم خصمك”.
التشافي ليس حدثًا… بل رحلة.
ليس جرعة أمل… بل عملية إعادة بناء هادئة.ليس اعتمادًا على مصدر خارجي… بل عودة واعية إلى نفسك.وأعمق شفاء هو أن تمتلك القدرة على النهوض، دون أن تستند إلى كتف لا ينتمي لك.



