مقالات

دونالد ترامب ..عندما تتحول الإستراتيجيات الى نكات

هادي جلو مرعي

سوقت السينما الأمريكية الأمبراطورية السادسة بوصفها سلطة الرب المطلقة التي لايأتيها الباطل من بين يديها، ولامن خلفها، وهي على صواب دائم، وتأخذ بالبشرية الى مسارها الصحيح، وعلى الجميع أن يذعن. وإذا لم يذعن يتم إخضاعه بالقوة، ودليل ذلك الحروب الهمجية التي شنتها على دول عدة حول العالم، ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية والى اليوم، وتريد أن تختمها بالهيمنة الكاملة على دول الكاريبي وأمريكا الجنوبية برمتها، وحتى الوسطى والشمالية وقناة بنما وخليج المكسيك، المكسيك التي تشبه الحبل السري الذي يربط أمريكا الشمالية بالجنوبية.
هذه الإمبراطورية قامت على مبدأ إبادة الآخر، وتلاقت في ذلك مع العقيدة اليهودية التي تحكم بإبادة الأغيار.. حيث تقول التوراة لليهود: حاربوا أعدائكم، فإن إستسلموا فأخضعوهم عبيدا لكم، وسخروهم كما شئتم، وإن قاتلوكم، فإقتلوا الذكور، وخذوا النساء والأطفال ملكا لكم ومايملكون من مال وأراض وزروع وديار، حتى صارت أمريكا محاميا وقاضيا ومحكمة كل مايصدر منها من قرارات في صالح إسرائيل التي يسمح لها بممارسة القتل كما تشاء، وتتوقف عنه متى تشاء، وتفعل ماتريد دون حسيب، أو رقيب، ثم يوصف الضحايا بالإرهابيين حتى لو كانوا رضعانا في اللفة كما يقال.. وصحيح إن ترامب يشبه أمريكا فهو يتصرف كزعيم عصابة يريد أن يحصل على مكاسب عدة، ويرهب الآخرين، وعندما يتحدث عن فنزويلا فهو يتصرف بمزيج من البراغماتية الشخصية والأسلوب الأمريكي المعتاد، وسيظل ذلك وصفا طبيعيا لأمريكا مادامت قائمة حتى تنهار، ومعها المنظومة الإستعمارية الغربية بالكامل التي هيمنت على القارات الخمس، ونهبت خيراتها، وهاهي تضمحل، وتتصرف بنوع من الهستيريا في معالجة الملف الاوكراني، وتريد إستمرار الحرب الى أن تعلن روسيا إستسلامها وهو مالن يحدث أبدا..
ترامب يخرج عن السرب الأمريكي في إطار السلوك التقليدي، والمعتاد في الساسة الأمريكية التي توصف غالبا بالثبات، وهو يتحرك وفقا لمزاج خاص تتملكه نزعة براغماتية شخصية، ويبحث عن مجده الخاص به، فتارة هو مسالم يريد إنهاء الحروب، والحصول على جائزة نوبل، وتارة هو محارب عنيد يمتطي حصانه في سهول الغرب الأمريكي ويضع القبعة المعتادة في ولاية أريزونا على رأسه، ويضع يده على مسدسه ليستخدمه في اللحظة المناسبة، ففي حين يضغط على حلفائه الأوربيين ليوقعوا مع روسيا إتفاقا للسلام ينهي حرب أوكرانيا، تجده في مكان آخر يهدد ويتوعد ويفرض رسوما جمركية مضاعفة، ويقصف سواحل الكاريبي ويهدد بعمليات برية في العمق الفنزويلي، وكأنه يريد أن يؤسس لحقبة ترامبية تتحول الى نهج ومبدا يؤمن به المولعون بفكرة اليمين المتطرف خاصة في أوربا التي تتمرد على نخبها السياسية التي يبدو أنها تجد في إستمرار الحرب إطالة في وجودها بمواجهة اليمين المدعوم من ترامب وحليفه إيلون ماسك حتى صارت بعض البلدان الأوربية تستقبل مجموعات يمينية أمريكية تزور القارة العجوز للقيام بنشاطات مختلفة وتؤسس لوجود مختلف يناهض الحكومات التي تترواح بين اليسار الى الوسط الى اليمين المعتدل.
ترامب في مواجهة النخب الأوربية التي يهددها اليمين المتطرف والإقتصاديات المنهكة، وإحتمالات الفوضى، وتربص يساري يحاول الإطاحة به بكل وسيلة يدخل في سباق مع الزمن ليفرض إستراتيجيته الخاصة على الأوربيين والأوكران بهدف كسب روسيا والتفرغ لإيران والصين وفنزويلا وخصومه الداخليين الذين يهددون تفوقه السياسي ووجوده خاصة مع قرب إجراء الإنتخابات النصفية التي يمكن أن تعيد حضور الديمقراطيين الى سابق عهدهم في سبيل العودة الى الإستراتيجية التقليدية التي ترى أوربا حليفا راسخا وروسيا عدوا، وإبقاء أمريكا زعيمة العالم والسيدة الأولى فيه، والى ذلك الحين تبقى الإستراتيجيات مجرد نكات في حضرة سيد البيت الأبيض..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى