مقالات

د علي حسن سلمان ناصر يكتب :كيف يخدعنا عقلنا ويمهّد الطريق بيننا وبين أهدافنا؟”

في كل صباح، يدق المنبّه عند السادسة، ومعه يبدأ نقاش داخلي قد يبدو بسيطًا، لكنه يعكس صراعًا عميقًا داخل كل منا. نعلم أننا يجب أن ننهض للعمل أو للدراسة، لكن السرير الدافئ والمريح يبدو وكأنه يقف في وجهنا كجدار يصعب تجاوزه. تبدأ الأفكار بالتراكم: “خمس دقائق فقط” … “أنا متعب”.
هذه اللحظات لا تدل بالضرورة على الكسل أو ضعف الإرادة، بل على آلية نفسية فطرية في العقل البشري تعمل منذ آلاف السنين للحفاظ على الطاقة وتجنّب الانزعاج.

العقل لا يُقيّم المهام وفقًا لمنطق الجدوى أو الأهداف الكبرى، بل حسب التجربة العاطفية المرتبطة بها. مهمة تبدو ضخمة في مخيلتنا تُنتج شعورًا سلبيًا، بينما المهمة الصغيرة تُنتج شعورًا أخفّ. لهذا، قد يبدو تنظيف المنزل كاملاً مرهقًا، بينما “غسل صحن واحد” قابلًا للبدء. هكذا، يقوم العقل بدقة عالية ولكن بصورة عاطفية بحساب بسيط:
المهمة الكبيرة = شعور سلبي كبير
المهمة الصغيرة = شعور سلبي صغير أو معدوم

هذه المقاومة ليست فقط ضد المهمة، بل في بعض الأحيان ضد صورة الذات التي نحملها. فإذا رأى الشخص نفسه “ليس جيدًا في الرياضيات”، فإن مجرد فتح كتاب الرياضيات قد يثير مقاومة داخلية قبل أن تبدأ الصفحة الأولى. وإذا كان يسعى للكمال، فإن مجرد فكرة البدء تبدو وكأنها تهديد لهويته.

فهم هذه الديناميكيات هو الخطوة الأولى نحو تجاوز عقبات الأداء والتحفيز، وقد أظهرت الدراسات النفسية أن استراتيجيات بسيطة وذكية يمكن أن تساعد في تحطيم هذه المقاومة.

من أبرز هذه الاستراتيجيات:

  1. قاعدة الدقيقتين: اجعل البداية صغيرة جدًا — دقيقة أو دقيقتين فقط — لتقليل المقاومة الأولية.
  2. التحضير المسبق: لا تبدأ بالمهمة نفسها؛ ابدأ بتحضير الأدوات، الملابس، المكان … الحركة نفسها تخلق زخمًا نفسيًا.
  3. نظام المكافآت: اربط المهمة بمكافآت — قبلها وبعدها — لأن الدماغ يستجيب للحوافز.
  4. الربط بالمتعة: اجعل المهمة مصحوبة بتجربة ممتعة، مثل الاستماع إلى بودكاست محبب أو موسيقى أثناء العمل.
  5. التجربة بدل الكمال: قل لنفسك إنك تقوم بتجربة لا أن تنتج نتيجة مثالية — التجربة تحررك من الخوف.
  6. الهوية قبل الفعل: بدل أن تقول “سأصبح شخصًا منضبطًا” قل “أنا شخص يبدأ ما يهمه” — العقل يقاوم ما يتعارض مع هويتك.
  7. احتضان المبتدئ: الفشل ليس في التجربة نفسها، بل في الامتناع عنها.

في واقعنا المعاصر، حيث تتزايد الضغوط وتشتد التحديات الاقتصادية والاجتماعية، نجد الكثيرين يكافحون ليس فقط لإنجاز مهامهم اليومية بل للبقاء على تواصل مع دوافعهم الداخلية. إن فهم هذه المقاومة النفسية، والطرق العملية لتجاوزها، يمكن أن يشكلَّ أداة قوية لتحسين الإنتاجية الذاتية، وتعزيز جودة الحياة، وتحقيق الأهداف الكبيرة خطوة بخطوة، من داخل النفس قبل الخارج.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى