مقالات

عندما تتحول “الصحافة” إلى منصة تضليل: أكاذيب “قناة موجز أخبار العراق ISN ” وتناقض الرواية المدفوعة

د. سعيد بير مراد

في الاشهر الأخيرة، تصاعدت وتيرة حملات التشويه التي تستهدف رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي فائق زيدان وعدداً من القضاة العراقيين، عبر ما يُسمّى قناة موجز أخبار العراق (INS)، التي يديرها إسماعيل مصبح الوائلي. حملات اتسمت بكثافة الاتهامات، وخطورة المزاعم، لكنها في الوقت ذاته كشفت – لمن يتابعها بدقة – عن تناقض فجّ، وافتقار فاضح للحد الأدنى من المهنية الصحفية.

تناقض لا يمكن تبريره

في مشهد يكاد يكون كاريكاتيرياً، يقدّم صاحب القناة روايتين متناقضتين تماماً عن الشخص نفسه:
• مرة يزعم أن القاضي فائق زيدان على علاقة بالموساد الإسرائيلي،
• ومرة أخرى يدّعي أنه صنيعة إيرانية ومدعوم من طهران.

في عالم الصحافة الاستقصائية، مثل هذا التناقض ليس مجرد “خطأ تحليلي”، بل دليل مباشر على غياب الحقيقة. فإما أن تكون هناك أدلة موثقة على إحدى الروايتين، أو أن ما يُنشر ليس سوى سرديات متناقضة تُستهلك حسب الطلب والتمويل.

خرافة “الصحيفة الأمريكية”

بلغ التضليل ذروته حين روّجت القناة لما وصفته بـ”مقالات منشورة في صحيفة أمريكية تُدعى فيرفيلد”.
وبالتحقق المهني البسيط:
• لا وجود لمقال أمريكي موثوق بهذا المحتوى،
• ولا أرشيف صحفي معروف نشر هذه الادعاءات،
• والصحيفة المشار إليها – إن وُجدت أصلاً – هي صحيفة محلية هامشية لا تُعرف لها أي تغطية للشأن العراقي، فضلاً عن ملفات قضائية حساسة.

النتيجة: الادعاء كاذب، والإسناد الصحفي مختلق.

منهجية التضليل: صور، عناوين نارية، بلا مصادر

تعتمد هذه الحملات على:
• تصاميم دعائية مثيرة،
• عناوين صادمة،
• اتهامات خطيرة (غسيل أموال، ارتباطات استخباراتية، تدخلات أجنبية)،
من دون وثيقة أصلية واحدة منشورة من مصدر مستقل أو جهة رسمية أو صحيفة دولية معتبرة.

وهذا يخرج المحتوى من إطار “الصحافة” إلى مربع التشهير الإعلامي.

السؤال الجوهري: من المستفيد؟

هنا يبرز السؤال الأهم:
• من له مصلحة في الإساءة إلى سمعة القضاء العراقي؟
• ولماذا الآن؟
• ولماذا يتم استهداف قضاة بعينهم دون غيرهم؟
• ولماذا تُستخدم روايات متناقضة تخدم أطرافاً إقليمية متصارعة في آن واحد؟

الإجابة الأقرب إلى المنطق هي أن القضاء المستقل يزعج أكثر من جهة، وأن ضرب الثقة به هدف مشترك لقوى فقدت نفوذها أو تخشى المحاسبة.

القضاء ليس معصوماً… لكنه ليس ساحة ابتزاز

نقد القضاء حق مشروع، بل ضرورة في أي دولة قانون.
لكن الفرق شاسع بين النقد المهني القائم على وقائع، وبين حملات التشويه المدفوعة التي تُدار من منصات غير مسؤولة.

ما يجري اليوم لا يخدم حرية التعبير، بل يسيء إليها، ويحوّل الإعلام من سلطة رقابية إلى أداة تصفية حسابات.

خلاصة

إن تكرار الأكاذيب لا يجعلها حقائق،
وتغيير الروايات لا يصنع مصداقية،
واختلاق “مصادر أجنبية” لن يحوّل التضليل إلى صحافة.

الضرر الحقيقي لا يقع فقط على سمعة قاضٍ أو مؤسسة، بل على ثقة المجتمع بالإعلام وبالدولة معاً.
ومن هنا، فإن مسؤولية كشف هذا التضليل لا تقع على القضاء وحده، بل على كل صحفي، وكل قارئ، وكل من لا يريد أن يُختطف الوعي العام لحساب أجندات باتت مكشوفة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى