“الجغرافيا مستبدة”: اوكرانيا، تايوان، “سيف االقدس”، النووي والمسيّرات
“الجغرافيا مستبدة”: اوكرانيا، تايوان، “سيف االقدس”، النووي والمسيّرات
بعد التطورات الاخيرة في اوكرانيا وتايوان وفلسطين وافغانستان واليمن وسوريا والعراق ولبنان وكازخستان، والكورونا والبيئة والنووي الايراني والصواريخ والطائرات المسيىّرة والاقتصاد وعشرات الامثلة الاخرى، يتردد كثيراً قول نابليون “ان الجغرافيا مستبدة”، بمعنى انها تخضعك لاحكامها. فنابليون اكتوى بنار الجغرافيا الروسية وثلوجها (1812)، ولم يتعلم هتلر درس الجغرافيا من سلفه، فكانت هزيمته في “ستالينغراد” سبباً رئيسياً لبداية خسارة الحرب (1943). فلم تنفعهما كل ما امتلكاه من قوة وعلم.
لكن الجغرافيا بمفردها لا تفسر لنا مسارات الامم. فبجانب الجغرافيا وعواملها الطبيعية، لابد ان نضيف -اولاً- التاريخ وما يختزنه من حقوق واصول وحضارات وذاكرة شعوب. فالتاريخ لن ينفع معه تدمير ما على السطح. فما دامت الجذور متأصلة وسليمة فستفرض الحقائق نفسها مجدداً. فالتاريخ مستقبل مخزون. وان نضيف -ثانياً- القوة، ومن عناصرها العلوم والذكاء وادواتها، والتي تسمح لقلة بالسيطرة على الكثرة ببساطتها وفطرتها.
لهذا سنقول بثلاثي: “الجغرافيا مستبدة، والتاريخ مستقبل، والعلم قوة”. فالعلم (التفوق والتنظيم والاستكشافات والقوة والاقتدار) يفسر لنا كيف انتصرت اليابان او بريطانيا، وهي جزر صغيرة فقيرة في مواردها، ولا يقارن تاريخها بتاريخ الامم التي هزمتها، مثل الهند والامة الاسلامية والصين وغيرها. وهو ما يفسر ايضاً كيف يمكن ان يستعمر المستوطنون اليهود القادمون من شتى بقاع الارض فلسطين، لتمسخ تاريخها (فلسطين) وتصادره لنفسها، وليؤسسوا لانفسهم (المستوطنون) وطناً وكياناً ونظام فصل عنصري على حساب غيرهم، بما في ذلك على حساب بقية اليهود.
فتاريخ العالم منذ عصر الاستكشافات والاستعمار ونظام الهيمنة هو انتصار عامل “القوة” على عوامل “الجغرافيا” و”التاريخ”. وما نشهده من تطورات متسارعة الان هو ان الشعوب والامم المستعمَرة والمسلوبة حقوقها تستعيد تدريجياً مصادر العلم (القوة) بما يوقف النسق القديم للتطور، ويفتح الافاق للانساق الجديدة. فقدرات العدوان تراجعت، وتقدمت قدرات استرداد الحقوق وغلبة الحقائق.
نقول ذلك، لاننا نرى ان مداخل “الجغرافيا” و”التاريخ” و”العلم” تتكامل حلقاتها اليوم لدى كل من نهبت القوة حقوقه لتعمل على تغيير مسارات بقيت حاكمة العالم لعدة قرون مضت. ودون اهمال تأثير الجبهات الاخرى، هناك اليوم ثلاث جبهات كبرى. شرق اوروبا، وشرق اسيا، والشرق الاوسط. من هذه المداخل يمكن فهم التحولات الكبرى التي تنتظر عالمنا، والعراق جزء رئيس منه. مداخل تسمح لفهم ليس الكليات فقط، بل التفاصيل ايضاً -بعد اجراء المقاربات الضرورية- كاوضاع كوردستان، ومصير خرائط سايكس بيكو، وما بعد الحربين العالميتين، وهلمجرا.
لن يُهزم الغرب. فهو يمتلك “العلم” و”الجغرافيا” و”التاريخ”. لكن ستُهزم السياسات والمباني الاستعمارية والصهيونية ونزعة التَسيُد على الغير، التي ارادت بالقوة سرقة جغرافيا وتاريخ الاخرين.
عادل عبد المهدي
12/2/2022