خوفاً من العقم… عراقيون يمتنعون عن اخذ لقاح كورونا

المستقبل / بغداد
كتابة وتحرير / حسين هادي
لايبدد زحام الظهيرة في العاصمة بغداد إلا الحوارات والنقاشات والانشغال بمداياتها حتى يصل الركاب الى وجهتهم بعد اختناق مروري يدوم لساعات طويلة غالباً. يقول رجلُ اربعيني بدت على ملامح وجهه اليأس مستهزءً وهو يرى احدى دعايات وزارة الصحة التي تشجع على اخذ لقاح فيروس كورونا:” هذا البلد ميخلص من المؤامرات”، معلقاً قال السائق “شلون مؤامرة حجي؟” رد: “اكو مادة باللقاح تسبب عقم، حتى بعد ينقرضون العراقيين وتبقى بس الهم”.
واجه العراق خمس موجات شديدة من الفيروس الوبائي ارتفعت فيها أعداد الإصابات اليومية حتى وصلت متوسطها 4 آلاف حالة يومياً وكانت اللامبالاة العامة تجاه الفيروس السبب وراء هذه الزيادة، إذ ينتهك كثيرون على نحو روتيني القيود التي تفرضها السلطات لمواجهة تفشي الوباء، فضلاً عن عزوفهم عن التلقيح لأسباب كثيرة.
وبالرغم من بدء العراق بحملة التلقيح ضد مرض كورونا بدءً من عام 2021 تقريباً، فانه ما يزال في الترتيب 183 على مستوى العالم في نسبة تلقي مواطنيه جرعة كاملة من اللقاح استنادا لمنظمة الصحة العالمية، حيث ان 1 من كل 5 عراقيين تلقوا جرعتين من اللقاح.
ازمة ثقة
باشر العراق في تشرين الأول بجهد موسع من اجل تحصين المواطنين وذلك خلال تلقيحهم في أماكن خارج المؤسسات الصحية، واشتملت تلك الأماكن على مدارس ومساجد ومراكز التسوق ومناطق مزدحمة أخرى، وحاولت وزارة الصحة مرارًا وتكرارًا طمأنة العراقيين بأن اللقاحات ليست ضارة لكن ذلك لم يقنع كثيرين ممن ليست لديهم ثقة ألبته بنظام الرعاية الصحية.
يقول حسن قاسم وهو مساعد طبيب تخدير في مستشفى بعقوبة لـ”المورد” اضطررت ولكثرة الاصابات الى التعامل المباشر مع مرضى كورونا، لم يكونوا قد التزموا بالإجراءات الوقائية التي فرضتها وزارة الصحة فضلاً عن عدم ايمانهم باللقاح”.
واضاف قاسم:”هناك ازمة ثقة بين المواطن والحكومة وغالباً ما ينظر للأخيرة على أنها فاسدة، وكل مايصدر عنها ليس بصالح الشعب”، مشيراً الى ان اللقاحات لازالت تعاني من شائعات وحملات تضليل مستمرة.
ويؤكد قاسم :”كل اللقاحات التي دخلت العراق آمنة وفعالة ضد الفيروس،ولكن انتشار إلاشاعات الكيدية عرقلت جهود مسؤولي الصحة العامة والأطباء في الدعوة لتلقي اللقاح حيث لم يكمل الكثير من المواطنين جرعاتهم وفيما امتنع آخرون عن أخذه”.
وتابع:” كل الدراسات المصادق عليها و التي أجريت على لقاحات كورونا اقرت بوجود آثار جانبية نادرة قد تحصل، ولكن العقم ليس من بينها”.
اعتمد العراق التلقيح عبر ثلاثة أنواع من اللقاحات هي فايزر- بيونتك وأسترازينيكا وسينوفارم،ووفق تقرير لموقع” إن بي أر” فأن الاقبال لايزال ضعيفاُ رغم مضي عام على إطلاق حملة التطعيم، حيث حصل 17 بالمئة من سكان العراق فقط على جرعتين على الرغم من أن الدولة لديها إمدادات لقاح كافية.
“اللقاح سيحرمني الإنجاب”
“كنت مع اللقاح لكني تراجعت “، قال حسين طارق، وهو شاب يبلغ من العمر 27عامًا من مدينة الحرية في بغداد، “كنت مستعداً ومؤمناً باللقاح، لكن كل هذا تغير”.
وأضاف طارق “شاهدت الكثير من المقاطع الفيديوية لاطباء عرب وأجانب ورجال دين يقولون بأن اللقاحات فيها مادة تسبب العقم وانا لست مستعداً للمجازفة”.
مسترسلاً طارق:” بعضهم يتحدث ايضاً عن امكانية تغيير الجينات الوراثية بعد خمس سنوات من تلقي التلقيح، و اذا كانت هناك امكانية للإنجاب فسننجب اطفالاً مشوهين وهذا ما لا اريده تحت اي ظرف”.
واضاف:” حتى وان قمت بالتلقيح واصابتني اعراضه الطبيعية كأرتفاع درجات الحرارة ونحول الجسم، فنحن لا نملك مستشفى حكومية جيدة لتلبية هذه المتطلبات المتواضعة قياساً بما اواجهه على سبيل الاحتمال في المستقبل بعد التلقيح ، سيما وان هذه العوارض تختلف من شخص إلى آخر، كون بعض الأشخاص لا يستطيعون تحمل هذه الآثار، وقد تؤدي إلى وفاتهم”.
كانت المنظومة الصحية في العراق عرضة للتراجع بسبب عقود من الحرب والعقوبات والاضطرابات الطويلة، ولم تستثمر الحكومات العراقية المتعاقبة منذ الغزو الأميركي عام 2003سوى القليل في هذا القطاع، لذا يخشى كثيرون الذهاب إلى المستشفيات العامة بسبب تردي خدماتها، كانت خير مثال على ذلك حريق جناح فيروس كورونا في مستشفى ابن الخطيب ببغداد العام الماضي الذي أسفر عن وفاة أكثر من 80 شخصًا وإصابة العشرات ،أستقال على اثره وزير الصحة العراقي حسن التميمي عن العمل بسبب الإهمال المزعوم.
لا يختلف رأي مؤيد عامر، وهو مدرس (39 عاماً) عن رأي حسين، اذ يقول لـ “المورد”:”من المستحيل ان أخذ اللقاح، ليس هناك ضمان لجودته فقد اعاني من مشاكل صحية لا استطيع الخلاص منها”.
وتابع:” العقم شيئ وارد في اللقاح فأنا لا اثق بالحكومة ولا بأي شيئ تستورده وان كنتُ مضطراً لتلقي اللقاح فقد اكون آخر عراقي يتلقاه”.
الشائعات تفاقم الأزمة
تتحدث الصيدلانية زينب حسين (33عاماً) لـ”المورد”، “العراقيون يخشون من كل شيء جديد، وتحديداً ما يرتبط بحياتهم الصحية”، مضيفة بأن:” الكثير منهم يجد بأن الحصول على المناعة الطبيعية عبر تناول الفيتامينات والأغذية المقاومة للفيروس هي افضل من تلقي اللقاح”.
وتكمل قائلة:” ليس هناك حل سوى الترويج للقاحات والاستمرار بإقناع الناس بضرورته، وأخذ الإجراءات القانونية بحق الذين ينشرون الشائعات ويضللون المواطنين من رجال دين او سياسين او مشاهير او اطباء والذين يسببون بتفاقم الازمة”.
وفي وقت سابق صرح المتحدث باسم وزارة الصحة العراقية، سيف البدر، بأن “غالبية الشائعات التي تنتشر في العراق عن اللقاح تنطلق من أشخاص لم يأخذوا اللقاح، وبالتالي فإن معلوماتهم عن اللقاح غير صحيحة، كما أن الأعراض الجانبية، التي تستمر لساعات بعد تلقي اللقاح، طبيعية وقد تحدث عنها معظم المنظمات الصحية المعروفة في العالم، ومنها منظمة الصحة العالمية”.
وأوضح البدرأن:”جميع المعلومات الخاطئة التي أُثيرت حول اللقاحات غير دقيقة ولا تستند إلى أي أساس علمي رصين، وأن العراق لم يسجل أي أعراض جانبية أو مضاعفات خطيرة أو متوسطة لدى المواطنين الذين تلقوا التلقيح”. داعيا “جميع المواطنين المشمولين باللقاح إلى الإسراع بالتسجيل من خلال المنصة الإلكترونية أو التوجه مباشرة إلى أقرب منفذ للتلقيح.
وكانت منظمة الصحة العالمية قد أكدت، في بيان وجهته للعراقيين، أن “لقاحات كورونا هي أداة أساسية في مكافحة الجائحة، وفوائد هذه اللقاحات تفوق أي آثار جانبية نادرة”، داعية إلى “التسجيل والحصول على التطعيم في أسرع وقت ممكن، إذ لا يمكن وقف هذه الجائحة قبل أن يأخذ غالبية الناس في العراق اللقاح”
ونتيجة لذلك أعلنت وزارة الصحة إجراءات لدفع العراقيين إلى الحصول على اللقاح، تشمل قيود السفر على أولئك الذين لا يستطيعون إبراز بطاقة التطعيم، وفصل الموظفين من المتاجر ومراكز التسوق والمطاعم. ودفعت هذه الإجراءات مزيدا من الناس إلى البحث عن لقاحات، إلا أنها أربكت وأغضبت العراقيين الذين لا يزالون متحفظين إلى حد كبير.
تم نشر هذا التقرير بدعم من JDH / JHR – صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا.



