وطن يجمع ولا يفرق

سمير السعد
في وطنٍ كالعراق، تتجاور الحضارات كما تتعانق القلوب، وتكتب الأرض حكاية العيش المشترك منذ آلاف السنين، لا مكان للأصوات النشاز التي تحاول تمزيق النسيج الوطني بخطابات الكراهية والطائفية. فالعراق بلدٌ واحد، لا يُقاس بانتماءٍ ضيق، ولا يُختزل بمذهب أو طائفة، بل يُعرف بأهله الأصلاء الذين صانوا وحدته في أحلك الظروف، وآمنوا أن التنوع قوة، وأن الاختلاف رحمة لا لعنة.
لقد أثبتت التجارب المريرة أن الشحن الطائفي والمناكفات العقيمة لم تجلب للعراقيين سوى التفرقة والويلات، وكانت دائماً خدمة مجانية لكل من يتربص بهذا البلد شراً. من هنا، تبرز المسؤولية الوطنية والأخلاقية في ردع هذه الخطابات المتخلفة، وعدم السماح لها بالتمدد في الفضاء العام، مع التأكيد على دور الجهات الأمنية في وضع حدود قانونية صارمة لكل من يحاول العبث بالسلم الأهلي أو إثارة الفتنة بين أبناء الوطن الواحد.
وفي هذا السياق، يُسجَّل موقفٌ مسؤول وشجاع للجنة الوطنية لمكافحة التطرف العنيف المؤدي إلى الإرهاب، من خلال تصديها للأفكار المنحرفة ومحاربتها بالوسائل القانونية والتوعوية، عبر برامج ومبادرات تدعو إلى التعايش السلمي، وترسّخ قيم السلم الأهلي، وتحترم الأديان والطوائف بكل مسمياتها. كما أن محاربة العنف الفكري واللفظي تمثل خط الدفاع الأول في وجه التطرف، لما له من دور خطير في إذكاء الفتن وفتح الأبواب أمام الانحراف والكراهية.
غير أن المسؤولية لا تقع على جهة بعينها، بل هي واجب جماعي، يبدأ من الفرد ولا ينتهي عند المؤسسة. فكل الجهات الوطنية المؤمنة بوحدة العراق مطالبة اليوم بوقفة صادقة، لنبذ هذه الخطابات، وغلق الطرق أمام الممارسات غير الأخلاقية وغير الوطنية، وحماية الهوية العراقية الجامعة التي تتسع للجميع من شماله إلى جنوبه.
اخيراً .. يبقى العراق أقوى بأبنائه حين يتماسكـون، وأجمل حين يختلفون بمحبة، وأبقى حين يقدّمون الوطن على كل انتماء ضيق. فلنقف جميعاً صفاً واحداً، نحمي وحدتنا، ونصون سلمنا الأهلي، ونُثبت أن العراق، كما كان دائماً، بيتاً واحداً يتسع للجميع..



