كورونا يضرب كل القيم التي تؤمن بها البشرية – صباح الساعدي

بسم الله الرحمن الرحيم
كورونا يضرب كل القيم التي تؤمن بها البشرية ( 1 )
ان اي بلاء يصيب أمة من الامم ( فضلا عن البشرية كلها ) يترك اثاره عميقة في الأمة او البشرية بحسب طبيعة هذا البلاء ونوعيته وتشتد الآثار عمقا اذا كان يستهدف هذا البلاء القيم على اختلافها من قيم اخلاقية او قيم عقدية او قيم ثقافية او قيم انسانية وقد يستهدفها كلها جميعًا
والقيم الانسانية ( بما هي هي ) اوسع القيم شمولًا لابناء البشرية بغض النظر عن الاخلاقيات التي تلتزم بها كل أمة او العقائد التي تؤمن بها هذه الأمة او تلك او الثقافات التي تعبر عن هوية الامم ولذلك يشير القرآن الكريم بقوله تعالى
(( لقد خلقنا الانسان في احسن تقويم ))
فان الانسان خلق بالقيم الإنسانية التي تمثل ( الفطرة السليمة ) التي لم تلوثها اي ( متبنيات وضعية ) تجذرت لاحقا لخلق تلك الفطرة وجاءت بسبب تدافع البشر لأجل كسب المصالح او دفع الضرر المحتمل ( بكل وسيلة ) وما يعبر عنه ( اولوية البقاء )
قال تعالى
(( … فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله … ))
نعم ان هذه الفطرة السليمة تتسق مع نمط من العقائد والأخلاق والثقافة ( بحسب اعتقادنا ) ويشترك معنا كثير ممن يجد ( القيم الانسانية ) الاساس في كل السلوكيات ( الصالحة ) التي يقوم بها البشر من كل الأجناس والأعراق والأديان وليس هنا محل تقرير ذلك كما يعبرون
البلاءات التي عمت البشرية وأدخلتها في الاختبارات واشدها ( الحربين العالميتين الاولى والثانية ) تركت الآثار عميقة في وجدان البشرية لكن مع الاسف هذه الآثار لم تخرج عن ( التعاطف ) التاريخي دون اي تجذير ( لسلوكيات ) على اساس القيم التي تعود بالإنسانية الى الفطرة السليمة وتجردها من مبدأي ( كسب المصالح ) و ( دفع الضرر ) الشخصي او الفئوي او حتى ( الاممي ) والمؤسسات الدولية التي نتجت عن هذه البلاءات ( الحربين العالميتين ) لم تتجاوز الامم التي شكلتها هذين المبدأين ابدا فكانت ( عصبة الامم ) التي تشكلت عام 1919 بعد موتمر باريس ( فرساي ) للسلام والتي فشلت في منع قيام حرب عالمية ثانية وبعدها تشكلت ( الامم المتحدة ) عام 1945 بعد مؤتمر ( دومبارتون اوكس ) في واشنطن في الولايات المتحدة الأمريكية
ان قيام هذه المؤسسات العالمية كان بيد ( المنتصر ) في الحرب العالمية وبالتالي الدافع الأساسي فيه كان في الاساس هو الحفاظ على ( المصالح المكتسبة ) من الحرب ودفع الضرر المحتمل من الطرف الخاسر في الحرب من دون النظر الى ( القيم الانسانية ) التي تجمع المنتصر والخاسر في الحرب مع اعتقادنا ان ( البشرية هي الخاسر الاكبر ) في الحربين العالميتين وهي ستكون الخاسر الاكبر في اي ( حرب عالمية ثالثة ) وهذا ما اشرنا اليه في مقالنا السابق ( ملامح فشل المؤسسات الدولية وانهيار الأنظمة ) بتاريخ 13 / 3 / 2020
واليوم ان بلاء كورونا وآثاره التي يخلفها عالميا على المستويات ( السياسية ، الاقتصادية ، الامنية ، الثقافية ، الأخلاقية ) على البشرية انما هي تضرب في الاساس ( القيم الانسانية ) التي تؤمن بها البشرية وتقتضيها ( الفطرة السليمة ) للإنسان حيث يمكن لنا بعد اربعة اشهر من اكتشافه تقريبا ان نؤشر الآتي :
اولا : فشل دولي ذريع في التعامل بإنسانية مع الوباء العالمي فكل دولة من الدول تتعامل على اساس حماية ابناء شعبها وفقا لمبدأ ( دفع الضرر الفئوي )
ثانيا : فشل المؤسسات ( القيمية ) على اختلافها ( عالميا ) في تحديد سلوكيات انسانية للتعامل مع هذا الوباء العالمي الا بمبدأ دفع ( الضرر الشخصي )
ثالثا : عدم توحد ( البشرية ) في البحث عن ( باب ) للنجاة من هذا الوباء او البلاء العالمي، النجاة ( بقيمها الانسانية ) وليس من دونها
فقد فشلت المؤسسات الرسمية في ايجاد ( توحد دولي مؤسساتي ) للبحث عن الأسباب المادية لمعالجة الوباء والسيطرة على انتشاره علاجا لا وقاية وعلى مستوى العالم
وقد فشلت المؤسسات العلمية في ( توحيد الجهود العلمية العالمية ) لأجل ايجاد العلاج لهذا الوباء العالمي وأصبح علماء كل دولة يفكرون على حدة دون جمع هذه الجهود العلمية باعتبار ان الوباء يهدد البشرية كلها ولعل بعض هذه المؤسسات العلمية ( اكتشافا وانتاجا ) ونقصد الشركات الدوائية العالمية انما محركها الاساس هو مبدأ ( كسب المصالح ) الذي توفره كارثة البشرية !!!
ولعل القائمة تطول في تعداد الفشل الذي منيت به البشرية في اول ( اختبار تجريبي ) لإنسانيتها فكيف بالاختبارات الحقيقية
ومن هنا يجب ان نركز ان الاساس الذي كان يجب ان يحكم الشعوب هو التفاعل الإيجابي وفقا للقيم الانسانية التي تجعل الاختلاف بين الشعوب وسيلة ( للكسب المعرفي ) الذي يجذر القيم الإنساني للوصول الى السعادة الشاملة والعدالة الاجتماعية المطلقة عالميا
قال تعالى
(( يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم ان الله عليم خبير ))
ان كورونا عندما ( ضرب ) لم يميز بين شعب وشعب وبين فئة وفئة وبين جنس وجنس وبين عرق وعرق وبين عقيدة وعقيدة
ان كورونا عندما ضرب ضرب البشرية كلها اي انه ضرب ابناء ( آدم وحواء ) على حد سواء والمطلوب من البشرية ان تتعاون لتعود الى قيمها الانسانية وفطرتها السليمة التي فطر الناس عليها وان تركيز ( النزعة الفردانية أو الفئوية ) هو خلاف تلكم القيم الانسانية بالقطع واليقين
قال تعالى
(( … وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان …. ))
صباح الساعدي
15 / 3 / 2020