مقالات

المكيد و الأسرار الروحانية للأقلية السود في البصرة نافذة على إفريقيا في أرض الرافدين

بقلم الخبير المهندس :- حيدر عبدالجبار البطاط

في محافظة البصرة وجنوب العراق يعيش مكون عراقي أصيل ذو تاريخ عريق وغني هم العراقيون من أصول إفريقية أو ما يُعرف محليًا بالعراقيين السود.
يشكل هذا المجتمع خصوصية ثقافية وروحانية فريدة تتمحور حول ما يُعرف بـ (المكيد).
هذه المرجعيات الروحانية والتي يصل عددها إلى ثلاثين مرجعاً تمثل قلب الحياة الروحية والاجتماعية لهذه الجماعة.

التقيت بأحد أعمدة هذه العقيدة النومان عيسى أبو فكري وتحدثت معه حيث كان طيب القلب يحمل روح المحبة للجميع.

1- البنية الروحانية والجذور التاريخية

المكيد: هو أشبه بـ(المرجع الروحاني) ويُنظر إليه كحَكَم ومصدر تشريع داخل الجماعة.
تمتد جذوره إلى تقاليد ( الزعماء / القادة ) الروحانيون في غرب إفريقيا.
· البابا أو الماما: هذه الألقاب ليست اعتباطية بل تُعبّر عن السلطة الأبوية / الأمومية داخل الدائرة الروحية مما يعكس نظاماً اجتماعياً روحانياً متكاملاً.

• الطقوس التلبس عبر الهُبوب (الزيران ، النوبان ، الممباس ، الزنجبار ) هو موروث أفريقي الأصل يخلط بين
الروحانية الصوفية والممارسات الشعبية الأفريقية.

يشبه في بعض جوانبه طقوس ( الفودو ) أو ( السانتيريا ) في أفريقيا والكاريب حيث يعتمد الفودو على استحضار الأرواح (Loa أو Lwa) ( لاو ، لوو ، لوا )
و هو شبيه لما في الفلكلور والغناء الشعبي العراقي البصري لكثير من الأصوات الإيقاعية مثل ( لاو ، لوو ، لوا ) شوف بحالي شسوى الحب مو بالقوه.
هذه تُستخدم كعنصر غنائي لإضفاء إيقاع ونغم روحاني أو وجداني لكنها في الأصل من التلبس الروحي و الاسماء أعلاه هي ارواح تتلبس عند الاندماج الوجداني في عقيدة ( الفودو ) او ( السانتيريا )

2- الطقوس (الهُبوب)

  • الزيران: – طقس موسيقي–روحي يعتمد على إيقاعات الطبول والرقص الجماعي حتى يصل المشاركون إلى حالة ( الوجد ) والتلبس الروحي.
  • النوبان: – نوع آخر من الهبوب فيه استحضار الأرواح أو الكائنات الغيبية وغالباً يُستخدم للشفاء أو الحماية.
  • الممباس: – طقس أكثر خصوصية يُمارس عادة في دوائر مغلقة ويُعتبر من أسرار الجماعة.

3- الامتداد الثقافي والتأثير

· هذه الممارسات ليست فقط ( دينية/روحانية ) بل هي منبع موسيقي ورقصي وغنائي شكّل جزءاً أساسياً من هوية البصرة الثقافية.
· كثير من الأغاني الشعبية البصرية والإيقاعات (مثل الخماري والزار) تحمل إيقاعات إفريقية الأصل جُلبت وعُمقت عبر هذه الطقوس.
كما أثرى فنانون من هذه المجتمعية الساحة الفنية العراقية بأصواتهم وموسيقاهم المميزة.

4- الجانب الاجتماعي والتنظيمي
• المراجع الثلاثون: – يوزّعون أتباعهم بحسب المناطق والولاءات مما يخلق شبكة اجتماعية متماسكة.
• الجمعية الرسمية:- جمعية أنصار الحرية الإنسانية التي يرأسها الأستاذ ميثم محمد جاسم مبارك تعد مظلة تنظيمية تسعى لتمثيل مطالب هذه الشريحة.
تأسست بترخيص ( lH75028 ) حسب الكتاب المرقم ( 365 في 2011/12/13 ) من دائرة منظمات المجتمع المدني .

5- التحديات القانونية والاجتماعية (إضافة تحليلية)

· على الرغم من الاعتراف الرسمي بالجمعية، إلا أن ممارسة بعض الطقوس مثل (الزيران) و(النوبان) تواجه تحديات على مستويات متعددة:
· اجتماعيًا: لا تزال هناك نظرة نمطية واستخفاف من بعض أطياف المجتمع تجاه هذه الطقوس، ووصفها أحياناً بـ”البدعة” أو ( الشرك ) من قبل التيارات المتشددة، مما يضع ممارسيها تحت ضغوط.
· قانونيًا: بينما يؤكد الدستور العراقي على حرية الممارسات الدينية، فإن عدم وجود قوانين تفصيلية تحمي التراث الثقافي غير الإسلامي التقليدي بشكل صريح يترك هامشًا للتفسير يمكن أن يؤدي إلى ملاحقة الأفراد أو عرقلة إقامة طقوسهم علانية.
· هوياتي: هناك نقاش داخلي في المجتمع بين من يريد التأكيد على هويته كأقلية مستقلة ذات خلفية إفريقية مميزة، وبين من يؤكد على اندماجه الكامل في النسيج العربي-العراقي ويخشى من التصنيف الذي قد يؤدي إلى مزيد من العزلة.

المطالب: – من أبرز مطالب العراقيين السود

رغم أن عددهم يُقدّر بحوالي مليون نسمة – أي أكثر من الشبك (300 ألف) و الإيزيديين (500 ألف) – إلا أنهم لا يتمتعون بأي تمثيل رسمي أو حقوق سياسية، في حين أن الشبك والإيزيديين والمسيحيين حصلوا على مقاعد مخصصة وكاملة في البرلمان العراقي.

لذلك تتمحور مطالب العراقيين السود حول
• الاعتراف بهم كأقلية ( قومية/إثنية ) ذات تراث مميز وليس فقط كمكوّن ثقافي ومنحهم حقوق الأقلية بما في ذلك تمثيل سياسي (مقعد أو أكثر في البرلمان العراقي).
• الدفاع عن حقوقهم وضمان ممارسة طقوسهم واحتفالاتهم بشكل كامل وآمن دون مضايقات أو تضييق.
• مكافحة التمييز العنصري والوصم الاجتماعي الذي يتعرضون له في سوق العمل والعلاقات الاجتماعية.

• إدماجهم الكامل في المجتمع مع الحفاظ على خصوصيتهم الثقافية والروحانية وتضمين تاريخهم وإسهاماتهم في المناهج التعليمية بوصفهم جزءًا أصيلاً من العراق

🔹 الخلاصة:

المكيد عند العراقيين السود ليس مجرد مرجع روحي بل هوية ثقافية–اجتماعية متكاملة تنبض بالدين والعادات والموسيقى والتضامن الاجتماعي.
إنه جسر حي يربط العراق بتراث إفريقيا المنسي
ومن خلال الجمعية الرسمية التي تأسست عام 2011 حصل هذا المكوّن الأصيل لأول مرة على إطار قانوني يكرّس حضوره في تاريخ العراق الحديث.

إن الفلكلور الأفريقي–العراقي الذي يجمع بين الإيقاعات الساحرة والطقوس الفريدة لا يمثل فقط تراثًا محلياً بل معلماً معرفياً وفنياً يمكن أن يتحول إلى رافعة سياحية وثقافية تجذب الباحثين عن الأصالة والزوار الراغبين في اكتشاف عمق التنوع العراقي.
فهو نافذة يطل منها العراق على العالم ورسالة تقول إن بلاد الرافدين ليست فقط أرض حضارات قديمة بل أيضاً فسيفساء نابضة بالحياة من الشعوب والموروثات التي تستحق أن تُروى وتُحتفى بها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى