الخلل ليس برئيس الجمهورية

هادي جلو مرعي
ثارت الثائرة، وهاجت الهائجة، وماجت المائجة على رئيس الجمهورية عبد اللطيف رشيد الذي أهدى لأحدهم قنينة زيت طعام، وقنينة أخرى فيها دبس الرمان، وبعضهم غنى له الأغنية الشهيرة
فرط الرمان خدوده
وعيونه الحلوة السوده
ولو تجمع كل الحلوين
ماأحد يوصل لحدودههذه الأغنية الجميلة غناها في العام 1979 مطرب شاب إسمه هادي سعدون ضاع بين نجومية هادي أحمد في كرة القدم بنادي الميناء البصري، ونجومية سعدون جابر في الغناء، وكنت حينها في الثامنة من عمري أتلمس طريق الحياة، وأحاول أن أهتدي لشيء فيها.. منصب رئيس الجمهورية مقدر ومحترم، والمشكلة على مايبدو ليس في الرئيس، فالهدية تلك كان يمكن أن يقدمها وزير الزراعة، وحتى رئيس الوزراء عندنا في إطار حملة للتوعية والإرشاد، وسيسخر منهما الناس، وهناك أفعال يقوم بها مسؤولون كبار في دولهم كما هي عادة رئيس جمهورية روسيا البيضاء ألكسندر لوكاشينكو الحليف الموثوق لفلاديمير بوتين والمسماة بيلاروس، فالرجل وزوجته وأفراد العائلة يخرجون في موسم جني البطاطا الى الحقول ليمارسوا فعلا يقوم به المزارعون، فالبطاطا منتج زراعي رئيس، ويعد من أهم المنتجات الزراعية في تلك البلاد، ويمثل وجبة رئيسية خاصة إذا تم هرس البطاطا، وطهيت بقليل من الزيت، ووضع عليها بعض الملح فستكون حتما وجبة رائعة ولذيذة. في الدول المستقرة ليست مهمة رئيس الجمهورية أن يقدم السيارات والأراضي كهدايا لمواطنيه.. ويعيش معظم الموظفين والمواطنين في شقق وبيوت تبعا لوظائفهم وقدراتهم المالية، وليس وفقا للإمتيازات التي يقدمها الرئيس والوزير، وإذا كان هناك من قارن بين رئيس عراقي يوزع السيارات وقطع الأراضي، ورئيس يقدم قنينة زيت ودبس رمان فهناك خلل في البنية النفسية والفكرية للمواطن الذي هو ضحية التربية السلطوية تاريخيا، ولاأعني نظاما سياسيا بعينه بل منذ التأسيس الأول للدولة عام 1920 لأن هذه التربية جعلتنا ننتظر راتب الرعاية الإجتماعية وقطعة أرض وإمتيازات لأننا لانخضع لقوانين الدولة المستقرة، بل لقانون الدولة السلطوية الدكتاتورية، ودولة الفوضى والفساد والعسكر مع تعاقب الأزمنة، وبغص النظر عن رضانا من عدمه عن كل نظام حكم العراق عبر تاريخه. فالدولة المستقرة تقر القوانين التي ترعى عامة الناس، وتكون الإمتيازات بحسب نوع الخدمة التي يقدمها المواطن لبلده، وبحسب قدرته ووجوده وحاجته، فهناك عاطلون عن العمل وفقراء، ولابد من قوانين لرعايتهم وحفظ كرامتهم. مافعله رئيس الجمهورية عبد اللطيف رشيد أمر جميل، ولكنه لايتناسب وتاريخنا السياسي المتخلف الذي جعل الشعب يؤمن بثقافة العطايا والهدايا.. يمكن كما قلت لمسعود بازشكيان رئيس إيران، أو لرجب طيب أوردوغان أن يقدما مثل هذه الهدايا، ولن يخشيا النقد والسخرية..