مقالات

الحشد ..على الحد..السد والصد…

بقلم/البروفسور د.ضياء واجد المهندس

انسحاب ممثلي السنة والأكراد من جلسة مجلس النواب الأخيرة لم يكن حدثًا عرضيًا أو مجرد خلاف سياسي تقليدي؛ بل جاء ليعكس عمق الأزمة الوطنية في لحظة إقليمية بالغة الخطورة. فالعراق اليوم ليس بمنأى عن تداعيات إعادة تشكيل الخرائط في المنطقة، ولا بمنأى عن مشروع “الخارطة الإبراهيمية” التي يُراد لها أن تعيد رسم حدود النفوذ والهويات، من لبنان وسوريا إلى العراق والخليج، تحت غطاء التطبيع والتفكيك الناعم.

وفي الوقت الذي تشتد فيه قبضة إسرائيل على مناطق واسعة في الجنوب السوري، وتستكمل فيه الولايات المتحدة تموضعها في قواعد تمتد من التنف إلى دير الزور، تتصاعد التحركات الإرهابية في شمال لبنان، وتُرصد تسللات كثيفة لعناصر “هيئة تحرير الشام” وفلول داعش من الحدود السورية-اللبنانية. وفي ظل كل هذا، يصبح الحديث عن مؤسسة أمنية عراقية كالحشد الشعبي ليس ترفًا سياسيًا أو مادة للابتزاز داخل البرلمان، بل قضية أمن وطني من الطراز الأول.

فلماذا إذن كل هذا الجدل حول قانون الحشد الشعبي؟ ولماذا ينسحب شركاء الحكم، ويتكالب البعض على عرقلة تشريعات تتعلق برواتب وتقاعد هذه المؤسسة التي أنقذت البلاد من الانهيار عام 2014؟

الحشد، وإن احتاج إلى إصلاحات في قياداته وتنظيمه، يبقى منجزًا وطنيًا صنعته فتوى مرجعية دينية، وروّته دماء آلاف الشهداء من مختلف أطياف الشعب العراقي. وهو اليوم، وفي ظل تصاعد التهديدات الوجودية، ليس مؤسسة أمنية فحسب، بل صمّام أمان بوجه التقسيم، وبوجه التحولات الجيوسياسية التي تنذر بتحويل العراق إلى ساحات متناحرة أو ممرات استراتيجية لمشاريع خارجية، كممر داوود، الذي يُراد له أن يربط البحر الأحمر بسواحل المتوسط مرورًا بأراضي العراق وسوريا ضمن بنية “إبراهيمية” عسكرية واقتصادية وسياسية.

إن تخوف بعض شركاء العملية السياسية من الحشد بدعوى “الهيمنة الشيعية” هو قراءة قاصرة، تتجاهل أن الحشد يضم أبناء العشائر السنية، وأكراد كركوك، ومقاتلين من الأقليات المسيحية واليزيدية، وكان في مقدمة القوات التي قاتلت دفاعًا عن الموصل والرمادي وتلعفر، مثلما دافع عن بغداد وسامراء وكربلاء.

إن إدارة الأزمات لا تكون بالانسحاب من الجلسات، ولا بتجزئة القوانين إلى صفقات ومساومات، بل بالحوار الجريء والموقف الوطني الذي يتجاوز المصالح الفئوية والمكوناتية. والحشد الشعبي، كمؤسسة قائمة بقرار من البرلمان منذ عام 2016، يستحق اليوم قانونًا منصفًا يضمن حقوق مقاتليه ويوطد موقعه في المنظومة الأمنية، بعيدًا عن المزايدات الانتخابية والرهانات الطائفية.

نحن على أعتاب انتخابات جديدة، وستُحدد على ضوء نتائجها ملامح العراق في السنوات القادمة، لكن ما لا يمكن تأجيله هو الحفاظ على مؤسسات الدولة السيادية، وفي مقدمتها الحشد الشعبي، لأنها نشأت حين كان العراق على وشك السقوط، وبقيت حين ترنحت حكومات وتعاقبت صفقات.

أيها الساسة، راجعوا خرائط المنطقة جيدًا، ولا تنسوا أنكم زائلون، أما الحشد فهو باقٍ ما بقي التهديد وما بقيت الأرض بحاجة إلى من يحرسها.


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى