مقالات

دروس من الثورة الحسينية (2)


بقلم المهندس رسول العذاري

هل خرج الحسين عليه السلام مع عياله محاربًا للسلطة الأموية آنذاك؟ وإن كان الجواب نعم، فلماذا لم يخرج بجيش جرّار وهو ابن علي وابن بنت رسول الله، ويحمل من النسب والشرف والمكانة ما يجعل الآلاف تصطف خلفه؟ هل لأن الناس كرهت أن تخرج معه؟ وإن كان كذلك، فكيف له أن يواجه سلطة استبدادية وهو لم يقنع إلا نفرًا يسيرًا من أهل المدينة؟ فهل كان الحسين غير مدرك لحجم المخاطر؟ هل خانته القراءة السياسية؟ أم أن خروجه كان انتحارًا؟ وإن صح هذا القول، فبأي منطق يصطحب معه نساءه وأطفاله إلى ساحة مواجهة مصيرية؟

هي أسئلة ثقيلة ومشروعة، ولا يمكن القفز عليها بالشعارات أو الاكتفاء بالتقديس العاطفي. لا بد أن تُطرح وتُناقش بعقلٍ منفتح، وبمنهجية تستند إلى فهم السياق التاريخي والسياسي والاجتماعي الذي أحاط بخروج الحسين. إن الجواب عن هذه الأسئلة يتطلب أولًا تفكيك البيئة التي تحرك فيها الإمام، واستيعاب المعادلات المعقدة التي كانت تحكم الدولة الإسلامية آنذاك.

لكي نفهم الأسباب والدوافع بعمق، لا بد من العودة إلى الثلاث مدارس الفكرية الكبرى التي تعاملت مع ثورة الحسين عبر التاريخ:

المدرسة الأموية، التي حاولت تصوير خروجه كخروج على الشرعية.

والمدرسة العباسية، التي استغلت اسمه سياسيًا ثم همّشته بعد أن استقر لهم الحكم.

والمدرسة الإمامية، التي اعتبرت خروجه مشروعًا إلهيًا موجهًا لإحياء الإسلام الحقيقي، ورفض الظلم مهما كانت كلفته.


من الضروري أن نسأل أيضًا: لماذا سعت بعض المذاهب والتيارات إلى تقزيم ثورة الإمام الحسين؟ هل لأنهم يعارضون فكرة الثورة أصلًا؟ أم لأنهم يخشون من أن تتحول ثورة الحسين إلى نموذج دائم يُهدد شرعية السلطة عبر العصور؟

وهل تستحق هذه الثورة كل هذا التعظيم الذي تحظى به؟ أم أن هناك مبالغة تاريخية فرضها التراكم العاطفي عبر القرون؟

كل هذه الأسئلة لا نجد لها أجوبة رصينة إلا إذا درسنا الثورة الحسينية دراسة هادئة، بعيدة عن الحماسة المذهبية، قريبة من منطق التحليل الموضوعي، كي نصل إلى دروس واقعية تُبنى عليها رؤيتنا للأحداث، بعيدًا عن التقديس غير الواعي أو التشكيك المتعجل.

في الحلقات القادمة، سنستعرض هذه المدارس الثلاث، ونحاول أن نفهم من خلالها كيف ولماذا خرج الحسين، ولماذا اصطحب أهله معه، وما إذا كانت ثورته ضرورة دينية، أم خيارًا سياسيًا، أم موقفًا أخلاقيًا خالصًا؟ كي تكون الدروس التي نستنبطها من الثورة أكثر عمقًا، وأكثر منطقية، وأبعد عن السطحية والانفعال.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى