كلا لم يكن حدثا عابرا …

بقلم/ باسمة عيسى سرحان

نهار السبت 24 ايلول 2015 ، لقد كان مفاجأة اشبه بكوابيس اليقظة … بضعة امتار بعد تغيير وجهة السير لسبب مباشر او غير مباشر ، كانت كفيلة بإحداث الفاجعة ، عشرات المئات من حجاج بيت الله الحرام قضوا جراء ما شاهده الجميع من تدافع و حالات هرع و خوف انتابتهم بعد التضييق عليهم وسقوط حجاج على الارض و اختناق عدد كبير منهم بحسب روايات شهود عيان نجو بأعجوبة ، وهو ما وصفته الامانة العامة للمنظمة العالمية لحقوق الانسان بالجريمة الفظيعة والمرعبة بل هي أبشع جريمة عرفتها الانسانية في عصرنا الحالي لأنها ارتكبت في البيت الحرام وفي الشهر الحرام بحق حجاج ابرياء وفدوا من كل بقاع الارض تلبية لله ولرسوله .
هل ستكتفى المنظمة العالمية لحقوق الانسان بالتنديد ام انها ستحذو حذو الامين العام للأمم المتحدة بان كي مون الذي يعرب عن قلقه 70 مرة باليوم كأقرب تقدير اي ما يعادل 2100 مرة بالشهر، و 25200 في السنة . احصاء منطقي ، تقابله ارقام مرعبة اكثر من 1000 قتيل سقطوا في مشعر منى اثناء آداء فريضة الحج هذا العام وعدد آخر من الجرحي لا يقل عن 700 حاج جريح بعضهم بحالة حرجة ، ربما قضاء وقدرهؤلاء الحجاج ان يختموا حياتهم بالشهادة في اطهر الاماكن ، بيت الله الحرام و لكن ماذا عن الحجاج المفقودين في الواقعة نفسها ,هل نعتبرهم شهداء او ننتظر لحظة ظهورهم او نتركهم لمصيرهم؟
تضيف منظمة هيومن رايتس ووتش ان الحديث عن مفقودين امر غريب جداً فنحن لا نتحدث عن زلزال مدمر وعن ابرياء مفقودين تحت الانقاض ، و هو ما اشار له العديد من الكتاب و المتابعين ، فأين اختفى مئات الناس ؟ سؤال مشروع لا بد ان تجيب عليه الايام القليلة القادمة ، خاصة ان ما حدث في منى اعتبره البعض من اخطر الحوادث التي وقعت في مواسم الحج منذ عام 1990 بعد كارثة التدافع ايضا في مشعر منى وفي نفس الايام و التي ادت حينها الى مقتل ما لا يقل عن 1400 حاج ، و لكن الظروف اليوم قد تغيرت ، خاصة ان السعودية تجري سنويا اعمال صيانة و تأهيل و تجهيز لموسم الحج فكيف خرجت الامور من قبضتها هذه المرة ، و هل يعقل ان يشاء القدر و ينهى حياة 464 حاج ايراني بينهم ثلاثة من ابرز الدبلوماسيين الايرانيين .
ما يحدث اليوم هو الاتهام و الاتهام المتبادل و التنديد و التحذير بقطع العلاقات و استخدام القوة لكشف حقيقة و ملابسات ما جرى ، و مما لا شك فيه ان السعودية اليوم محرجة مما حدث ، و عليها التبرير و فتح تحقيق جدي بمشاركة دولية على الاقل او مشاركة الدول صاحبة الخسارة الكبري في ارواح مواطنيها ، خاصة بعد بدء تسريب الفيديوهات التي تظهر اللحظات الاولى لتدافع الحجاج ، للوهلة الاولى و انت تشاهد بدء تدافع الحجاج ينقبض قلبك و تتمنى لو كان فيلما ينتهى بإغلاق التلفاز ، ولكنه الواقع المؤلم ، صرنا نستقبل الحجاج العائدين بالقول الحمد لله على سلامتك ، بدلا من حج مبرور و سعى مشكور او عقبال العودة ، ربما حتى شعارات الحج آخذه بالتغيير ، الا التلبية التى جمعتنا جميعا لا تمسوها .
كفى بالأبرياء يدفعون اثمان باهظة لا ناقة لهم فيها و لا جمل ، و كفى بجميع الجهات و وسائل الاعلام ان توظف هذه الحادثة بطريقتها ، و لمصلحتها ، كما كل مرة ، نتمنى لو تصبح هذه الفاجعة جسر مودة لنعيد حساباتنا جميعا ، و ان يحاسب كل مقصر و مسؤول عن هذه الحادثة ، فقط لحفظ ماء الوجه لا اكثر ، و لنفكر بإيجابية ، رحم الله جميع الشهداء و اعاد للجرحى عافيتهم.