وقفات ” شيرين العدوى ”  في وادى الكون

«وادى الكون» هو عنوان رواية جديدة للروائية المصرية الكبيرة هالة البدرى، وقد صدرت عن دار بتّانة عام 2022، فأى واد كانت تقصده هالة البدرى؟!.

الوادى فى القاموس هو: منفرج بين الجبال يكون منفذا للسيل ومسلكا، وقد يكون ضحلا أو عميقا، ضيقا أو واسعا يحوى عادة مجرى مائيا، أما عن المعنى الذى قصدته هالة فهو أبعد بكثير، إذ لم تكتف بكلمة الوادى بل أضافتها إلى الكون كله، وبهذه الإضافة فلم يعد الوادى سهلا بين جبال نستريح فيه، وإنما هو الأرض كلها التى أنزل الله عليها الإنسان معاقبا له على فعلته بالأكل من الشجرة فى الجنة.

توقفت طويلا عند فكرة الرواية التى ربما أخذتنى بعبقريتها وقدرتها على الحكى المنقطعة النظير، فى حل معضلات المخيال الجمعى الشعبى فى تناول الفكرة الأولى لخلق الكون، فالرواية حالة من انصهار الحضارات، وتعانق الأديان، وإجابات عن كل ما شغل الإنسان منذ نشأته الأولى حتى الآن. فقد أبدعت هالة فى طرح الأسئلة التى وقفت حجر عثرة أمام تقدم الإنسان نحو الانطلاق والبناء؛ بل ربما رفضه لذاته نفسها وعدم فهمه لها، ومن ثمّ رفضه للآخر.

لقد أنتج الإنسان من خلال حياته وعلى حسب بيئته كما معرفيا هائلا أنتج أسئلة حيرى غير مجاب عنها، ربما أجابت عنها الأديان التى نزلت معه من السماء تنظم حياته، ففهمها أحيانا بصورة مغلوطة فى أزمنة انقطاع الوحى، ولكى يملأ فراغ الإجابات استعان بـ الموروثات والأساطير التى تعانقت بشكل سبيكة يصعب صهرها، لأنه صنعها من بقاياه الغابرة فى زمن ممتد منذ نشأته حتى موته.

تقول هالة البدرى إن فكرة الرواية نمت لديها عندما رزقت لأول مرة بحفيدتها تالا، وقد أزعجها أنها ولدت بعيدة عنها فى أمريكا فى مجتمع مغاير، ولن تستطيع أن تحكى لها عن مخزونها المعرفى لتملأ نهمها الثقافى ففكرت فى الحكى لها عن طريق كتابة رواية تجمع فيها أفكار العالم، والحقيقة أن هالة البدرى لم تفعل هذا من أجل تالا فقط، وإنما تركت لنا ميراثا فكريا هائلا لكل الأجيال القادمة.

لقد كتبت قصة الإنسان المؤرق بالأسئلة والإجابات المغلوطة، وقامت بحالة من العصف الذهنى، والتفكيك المعرفى فحكت وتركت الإجابات مفتوحة ليضعها القارئ بنفسه بعد هذا العصف الحكائى، وقد ذيلت الرواية بالمصادر والمراجع التى أخرجت منها هذا الثراء المعرفي. فمن يقرأ رواية وادى الكون لابد أن يدرك إجابات الأسئلة المحيرة ويشعر بالسلام الداخلى بعد حالة التواصل المعرفى الضخم المقارن بين الأفكار والحضارات فى العالم، والرصاصة الذهنية التى صوبتها هالة لعقل القارئ من مسدس فمها، فالرواية أنشأت وعيا لعالم إنسانى أصيب بالعمى بسبب ظلمه لنفسه وتكنولوجيا فى بعض الأحيان كانت نقمة عليه.

لقد مارست هالة غواية حكى الأسئلة والإجابات المؤرقة لها هى شخصيا وتخيلت أن تالا صفحة بيضاء فسطرت عليها كل نظريات الفلسفة وفلسفة الأديان السماوية وغير السماوية . فوقفت أمام بوذا وكونفوشيوس، والنرفانا، وحكت تواريخ عدة لمصر والهند والصين وكل العالم. بعدما فرغت من قراءة الرواية التى بنتها من خلال لعبة الدخول إلى أزمنة متعددة فى عصور غابرة أدركت عالمية هالة البدرى وأن مصر ولادة.