الدكتور حسين الاسدي
تصاعدت البطالة في العراق خلال السنوات الاخيرة بسبب غياب الخطط الحكومية التي تهدف الى توفير فرص عمل للعاطلين من خلال تفعيل القطاع الخاص، كما يتخرج سنوياً من الجامعات الاف الطلاب دون ان يجدوا وظائف لهم مما يجعل نسبة البطالة بارتفاع مستمر وسط غياب الحلول والمعالجات، والبطالة تختلف اشكالها فمنها البطالة الحقيقية (Unemployment)، البطالة الكاذبة (False Unemployment)، البطالة المقنعة (Disguised Unemployment)، فاﻟﺑطﺎﻟﺔ اﻟﺣﻘﯾﻘﯾﺔ هي ظاهرة اقتصادية بدء تحسسها بشكل ملموس مع ازدهار الصناعة إذ لم يكن للبطالة معنى في المجتمعات الريفية التقليدية، طبقاً لمنظمة العمل الدولية فإن العاطل هو كل شخص قادر على العمل وراغب فيه، ويبحث عنه، ولكن دون جدوى، ومن خلال هذا التعريف يتضح أنه ليس كل من لا يعمل عاطل فالتلاميذ والمعاقين والمسنين والمتقاعدين ومن فقد الأمل في العثور على عمل وأصحاب العمل المؤقت ومن هم في غنى عن العمل لا يتم اعتبارهم عاطلين عن العمل، وهنا لا نريد ان نستغرق في تفاصيل ما يرتبط بالبطالة الحقيقية واسبابها، وانما جعلناها تمهيداً للبطالة المقنعة فحسب، وكذا الحال بالنسبة للبطالة الكاذبة ان النسبة المئوية لعدد الموظفين العموميين الى عدد السكان بحسب الموازيين العالمية لا تتجاوز (1%) فعدد سكان الولايات المتحدة الامريكية 328.2 مليون وعدد الموظفين العموميين (2 مليون) بنسبة (0,6%) من عدد السكان، وعدد سكان كندا (37,59 مليون) وعدد الموظفين العموميين (0,287978 مليون) بنسبة (0,7%) من عدد السكان، وعدد سكان فرنسا (66,99 مليون) وعدد الموظفين العموميين (0,5 مليون) بنسبة 0.7% من عدد السكان، وعدد سكان المانيا (83,02 مليون) وعدد الموظفين العموميين (0.45132 مليون) بنسبة (0,5%) من عدد السكان، وعدد سكان الهند (1353مليون) وعدد الموظفين العموميين (21,547 مليون( بنسبة (1%) من عدد السكان، وعدد سكان الصين 1393 مليون وعدد الموظفين العموميين (7,6 مليون) بنسبة (0,5%) من عدد السكان، ويظهر بوضوح ان النسبة تقريبا ثابتة لا تتجاوز (1%)، اما ﻋدد اﺑﻧﺎء اﻟﺷﻌب اﻟﻌراﻗﻲ ﺑﺣﺳب آﺧر اﺣﺻﺎﺋﯾﺔ ﻟوزارة اﻟﺗﺧطﯾط (42 مليون) ﻧﺳﻣﺔ وبلغ عدد الموظفين في الوزارات والدوائر الممولة مركزياً في موازنة 2023 (4,096,801) بزيادة عن موازنة 2021 بـ(832,967) درجة بنسبة (25٪) وهي نسبة عالية جداً، في حين يعمل في دوائر التمويل الذاتي التابعة للدولة حوالي خمسمائة الف موظف (لا توجد ارقام دقيقة لعدم ظهورها في الموازنة العامة)، فيكون عدد الموظفين الحكوميين (4,596,801) وتشكل القوى العاملة في المؤسسات الحكومية نسبة (19%) من سكان العراق النشطين اقتصادياً السكان في سن العمل (15-60 سنة) البالغة نسبتهم (57%) من سكان العراق بحسب تقديرات الجهاز المركزي للإحصاء التابع لوزارة التخطيط العراقية، اما نسبتهم الى مجموع السكان فتكون (10%) ، بالتأكيد ان هذه الأرقام لا يدخل فيها المتقاعدون في الدولة العراقية، واننا لا ندعي ان جميع هؤلاء موظفون حقيقيون فلا نشك بوجود موظفين وهميين (Ghost Employee) في هذه الأرقام، فالعراق يمتلك عدداً من الموظفين الحكوميين يفوق بـ (10) أضعاف ما تتطلبه النسبة العالمية كما هو في دول أخرى، هذه هي البطالة المقنعة وتسمى البطالة المخفية ايضاً، حيث تعبر عن مجموعة من العمال الذين يحصلون على أجور أو رواتب دون مقابل من العمل أو الجهد الذي تتطلبه الوظيفة، وهي نسبة إذا تم سحبها من مجال العمل لا يترتب على خروجها أي نقص في اجمالي إنتاج الشركة أو المؤسسة التي هم موظفون فيها، وربما زاد الإنتاج.
فالبطالة المقنعة تحدث في الدول النامية نتيجة تكدس العاملين في الجهاز الحكومي بما يفوق احتياجات تلك الأجهزة وذلك نتيجة التزام الدول بتعيين الخريجين، دون أن يكون هناك احتياج حقيقي لأعمالهم، ان التأثيرات السلبية لهذه الزيادة كبيرة جداً فأول ظهورها على الموازنة العامة فالعراق خصص لرواتب الموظفين (59,81 ترليون د.ع) في موازنته بينما إذا اخذنا في المعادلة السابقة فما تتطلبه الموازنة (5,9 ترليون د.ع) فقط وهو يعالج العجز الظاهر في الموازنة خاصة إذا اضفنا له ما يحتاجه الموظف لأداء الوظيفة من المكان والنقل وغيرها من المستلزمات الأخرى، ومن اهم أسباب التعيينات في العراق العوامل السياسية حيث ترتبط ارتباطاً مباشراً بالانتخابات وكسب المزيد من الأصوات، وهو امر خطير يندرج في استغلال المنصب لأغراض خاصة خارجة عن حدود الوظيفة وهو فساد يعاقب عليه القانون، بل أكثر من ذلك يدخل في أطار المنافسة غير المشروعة وشراء الأصوات فيقلل من فرص المنافسين ويجعل المساواة وتكافئ فرص الأحزاب مختلفة ومن هنا نجد الكثير منهم يبحث عن المناصب لأنها توفر فيما توفر التعيينات التي تجعل الجهة السياسية في موقع اقوى.
ان العراق إذا أراد يخرج من هذا المأزق عليه ان يجري اصلاحاً إدارياً شاملاً بعيداً عن هيمنة الأحزاب ومصالحها الخاصة حتى الوصول الى إيجاد فرص العمل للمواطنين المؤهلين وتقليص هيمنة الأحزاب ونفوذها من خلال التعيينات، وللوصول الى حالة استقرار نسبة الموظفين الحكوميين وفقاً للنسبة المعمول بها عالمياً يتطلب من الحكومة العراقية إيجاد فرص عمل خارج القطاع الحكومي وتشجيع القطاع الخاص الصناعي والزراعي والسياحي وغيره لأنها لا شك لها التأثير الكبير في تحريك عجلة الاقتصاد وفك الاختناقات في الموازنة وتوجيهها نحو ما هو أهم، ان البطالة المقنعة تشكل مشكلة ومخاطر على الدولة بشكل عام والاقتصاد بشكل خاص، فهي تضييع للموارد البشرية المهمة والمهارات المتاحة في المجتمع فالأفراد العاملون في وظائف غير منتجة أو تحتاج إلى قدرة عمل أقل مما هو متاح يمثلون تضييعاً للقدرات البشرية وعرقلة لتطور الاقتصاد، وهي تكاليف اقتصادية عالية على المجتمع والدولة فعندما يكون هناك عدد كبير من العمال الذين يعملون في وظائف غير فعالة أو غير منتجة، فإنه يترتب على الدولة تكاليف هائلة في صورة الرواتب والإعانات الاجتماعية التي يتم صرفها لهؤلاء العمال، ولها تأثير سلبي على النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة فعندما يكون هناك جزء كبير من القوى العاملة غير مستغلة بشكل فعال، يكون هناك تراجع في الإنتاجية وتقليل في قوة العمل المتاحة للقيام بأنشطة اقتصادية أخرى